فصل: أقسام الملك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


الموسوعة الفقهية / الجزء التاسع والثلاثون

ملائكة

التّعريف

1 - الملائكة جمع المَلَك بفتحتين‏,‏ وهو واحد الملائكة‏,‏ قيل‏:‏ مخفّف من مالك‏,‏ قال الكسائي‏:‏ أصله مألك بتقديم الهمزة من الألوك وهي الرّسالة‏,‏ ثمّ قلبت وقدّمت اللّام وقيل‏:‏ أصله الملك بفتح ثمّ سكون‏:‏ وهو الأخذ بقوّة‏,‏ وأصل وزنه مفعل فتركت الهمزة لكثرة الاستعمال وظهرت في الجمع‏,‏ وزيدت الهاء إمّا للمبالغة وإمّا لتأنيث الجمع‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ المَلَك جسم لطيف نورانيّ يتشكّل بأشكال مختلفة‏,‏ ومسكنها السّماوات‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الإنس‏:‏

2 - الإنس في اللغة‏:‏ جماعة النّاس‏,‏ والواحد إنسيّ وأنسيّ بالتّحريك‏,‏ وهم بنو آدم‏,‏ والإنسي يقتضي مخالفة الوحشيّ‏,‏ والنّاس يقولون‏:‏ إنسيّ ووحشيّ‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والفرق بين الملائكة والإنس‏:‏ أنّ الملائكة خلقوا من نور‏,‏ ولا يأكلون ولا يشربون‏,‏ ويعبدون اللّه ويطيعونه‏,‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ‏}‏‏,‏ وليس كذلك الإنس‏.‏

ب - الجن‏:‏

3 - الجن في اللغة‏:‏ خلاف الإنس‏,‏ والجان‏:‏ الواحدة من الجنّ‏,‏ وكان أهل الجاهليّة يسمون الملائكة جناً لاستتارهم عن العيون‏,‏ يقال‏:‏ جنّ اللّيل‏:‏ إذا ستر‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة بين الملائكة والجنّ أنّ كلاً منهما له قوّة التّشكل بأشكال مختلفة‏.‏

الحكم الإجمالي للملائكة

وردت في الملائكة أحكام منها‏:‏

أوّلاً - الإيمان بالملائكة

4 - من أركان العقيدة الإسلاميّة الإيمان بالملائكة‏,‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ‏}‏‏,‏ وقال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً‏}‏‏.‏

وفي حديث عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه عندما سأل جبريل عليه السلام عن الإيمان‏,‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أن تؤمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشرّه»‏.‏

فوجود الملائكة ثابت بالدّليل القطعيّ الّذي لا يمكن أن يلحقه شك‏,‏ ومن هنا كان إنكار وجودهم كفراً بإجماع المسلمين‏,‏ بل ينص على ذلك القرآن الكريم كما دلّت عليه الآية السّابقة‏.‏

ثانياً - صفاتهم الخلقيّة

5 - أخبرنا ربنا سبحانه أنّ الملائكة خلقوا قبل آدم عليه السلام‏,‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

كما أخبرنا النّبي صلى الله عليه وسلم أنّ اللّه خلق الملائكة من نور‏,‏ فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «خُلقت الملائكة من نور‏,‏ وخلق الجان من مارج من نار‏,‏ وخلق آدم ممّا وصف لكم»‏.‏

فتدل النصوص في مجموعها على أنّ الملائكة مخلوقات نورانيّة ليس لها جسم مادّيّ يدرك بالحوّاس الإنسانيّة‏,‏ وأنّهم ليسوا كالبشر فلا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتزوّجون‏,‏ مطهّرون من الشّهوات الحيوانيّة‏,‏ ومنزّهون عن الآثام والخطايا‏,‏ ولا يتّصفون بشيء من الصّفات المادّيّة الّتي يتّصف بها ابن آدم غير أنّ لهم القدرة على أن يتمثّلوا بصور البشر بإذن اللّه تعالى‏.‏

ثالثاً - عبادة الملائكة للّه وما وكّل إليهم من أعمال

6 - علاقة الملائكة باللّه هي علاقة العبوديّة الخالصة والطّاعة والامتثال والخضوع المطلق لأوامره عزّ وجلّ‏,‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ‏}‏‏,‏ وقد وصفهم اللّه بأنّهم لا يستكبرون عن عبادته‏,‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ‏}‏‏.‏

وهم منقطعون دائماً لعبادة اللّه وطاعة أمره‏,‏ كما ورد في الآيتين السّابقتين‏.‏

وعن جابر رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ما في السّماوات السّبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلّا وفيه ملك قائم أو ملك راكع أو ملك ساجد‏,‏ فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعاً‏:‏ سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك إلّا أنَّا لم نشرك بك شيئاً»‏.‏

7 - قال ابن القيّم‏:‏ دلّ الكتاب والسنّة على أصناف الملائكة‏,‏ وأنّها موكّلة بأصناف المخلوقات‏,‏ وأنّه سبحانه وكّل بالجبال ملائكةً‏,‏ ووكّل بالسّحاب ملائكةً‏,‏ ووكّل بالرّحم ملائكةً تدبّر أمر النطفة حتّى يتمّ خلقها‏,‏ ثمّ وكّل بالعبد ملائكةً لحفظه‏,‏ وملائكةً لحفظ ما يعمله وإحصائه وكتابته‏,‏ ووكّل بالموت ملائكةً‏,‏ ووكّل بالسؤال في القبر ملائكةً‏,‏ ووكّل بالأفلاك ملائكةً يحرّكونها‏,‏ ووكّل بالشّمس والقمر ملائكةً‏,‏ ووكّل بالنّار وإيقادها وتعذيب أهلها وعمارتها ملائكةً‏,‏ ووكّل بالجنّة وعمارتها وغراسها وعمل الأنهار فيها ملائكةً‏,‏ فالملائكة أعظم جنود اللّه تعالى‏,‏ ومنهم‏:‏ ‏{‏وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفاً، فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا، وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً، فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً، فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً‏}‏ ومنهم‏:‏ ‏{‏وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً، وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً، وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً، فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً، فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً‏}‏‏,‏

ومنهم‏:‏ ‏{‏وَالصَّافَّاتِ صَفّاً، فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً، فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً‏}‏‏.‏

ومنهم‏:‏ ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب‏,‏ وملائكة قد وكّلوا بحمل العرش‏,‏ وملائكة قد وكّلوا بعمارة السّماوات بالصّلاة والتّسبيح والتّقديس‏,‏ إلى غير ذلك من أصناف الملائكة الّتي لا يحصيها إلّا اللّه تعالى‏.‏

ولفظ الملك يشعر بأنّه رسول منفّذ لأمر غيره‏,‏ فليس لهم من الأمر شيء‏,‏ بل الأمر كله للّه الواحد القهّار‏,‏ وهم ينفّذون أمره ‏{‏لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ‏}‏‏,‏ ‏{‏يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ‏}‏‏,‏ ‏{‏لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ‏}‏‏.‏

ولا تتنزّل الملائكة إلّا بأمر اللّه‏,‏ ولا تفعل شيئاً إلّا من بعد إذنه‏.‏

ورؤساؤهم الأملاك الثّلاث‏:‏ جبريل‏,‏ وميكائيل‏,‏ وإسرافيل‏,‏ وكان النّبي يقول‏:‏ «اللّهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل‏,‏ فاطر السّماوات والأرض‏,‏ عالم الغيب والشّهادة‏,‏ أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون‏,‏ اهدني لما أختلف فيه من الحقّ بإذنك‏,‏ إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»‏.‏

فتوسّل إليه سبحانه بربوبيّته العامّة والخاصّة لهؤلاء الأملاك الثّلاثة الموكّلين بالحياة‏.‏ فجبريل موكّل بالوحي الّذي به حياة القلوب والأرواح‏,‏ وميكائيل وكّل بالقطر الّذي به حياة الأرض والنّبات والحيوان‏,‏ وإسرافيل موكّل بالنّفخ في الصور الّذي به حياة الخلق بعد مماتهم‏.‏

رابعاً - تفضيل الملائكة

8 - قال ابن عابدين من الحنفيّة نقلاً عن الزّندوستيّ‏:‏ أجمعت الأمّة على أنّ الأنبياء أفضل الخليقة‏,‏ وأنّ نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم أفضلهم‏,‏ وأنّ أفضل الخلائق بعد الأنبياء الملائكة الأربعة وحملة العرش والروحانيون ورضوان ومالك‏,‏ وأنّ الصّحابة والتّابعين والشّهداء والصّالحين أفضل من سائر الملائكة‏.‏

واختلفوا بعد ذلك‏,‏ فقال الإمام أبو حنيفة‏:‏ سائر النّاس من المسلمين أفضل من سائر الملائكة‏,‏ وقال محمّد وأبو يوسف‏:‏ سائر الملائكة أفضل‏.‏

خامساً - سب الملائكة

9 - اتّفق الفقهاء على أنّ من سبّ أنبياء اللّه تعالى أو ملائكته - الوارد ذكرهم في الكتاب الكريم والسنّة الصّحيحة - أو استخفّ بهم أو كذّبهم فيما أتوا به أو أنكر وجودهم وجحد نزولهم قتل كفراً‏.‏

واختلفوا هل يستتاب أم لا ‏؟‏

فقال الجمهور‏:‏ يستتاب وجوباً أو استحباباً على خلاف بينهم‏.‏

وعند المالكيّة‏:‏ لا يستتاب على المشهور‏.‏

قال الدسوقي‏:‏ قتل ولم يستتب - أيّ بلا طلب أو بلا قبول توبة منه - حداً إن تاب وإلّا قتل كفراً‏,‏ إلّا أن يسلم الكافر فلا يقتل لأنّ الإسلام يجب ما قبله‏.‏

قال الموّاق‏:‏ وهذا كله فيمن تحقّق كونه من الملائكة والنّبيّين كجبريل وملك الموت والزّبانية ورضوان ومنكر ونكير‏,‏ فأمّا من لم تثبت الأخبار بتعيينه ولا وقع الإجماع على كونه من الملائكة أو الأنبياء‏,‏ كهاروت وماروت‏,‏ ولقمان وذي القرنين ومريم وأمثالهم فليس الحكم فيهم ما ذكرنا إذ لم تثبت لهم تلك الحرمة‏,‏ لكن يؤدّب من تنقّصهم‏.‏

وأمّا إنكار كونهم من الملائكة أو النّبيّين فإن كان المتكلّم من أهل العلم فلا حرج‏,‏ وإن كان من عوامّ النّاس زجر عن الخوض في مثل هذا‏,‏ وقد كره السّلف الكلام في مثل هذا ممّا ليس تحته عمل‏.‏

‏(‏ر‏:‏ ردّة ف / 16 - 17‏,‏ 35‏)‏‏.‏

مَلاءة

التّعريف

1 - الملاءة في اللغة‏:‏ مصدر الفعل مَلُؤَ - بضمّ اللّام - قال الفيومي‏:‏ مَلُؤَ - بالضّمّ - ملاءةً‏,‏ وهو أملأُ القوم أي‏:‏ أقدرهم وأغناهم‏,‏ ورجل مليء – مهموز - على وزن فعيل‏:‏ غنيّ مقتدر‏.‏

وفي لسان العرب‏:‏ رجل مليء‏:‏ كثير المال بيّن الملاء‏,‏ والجمع مِلاء‏,‏ وقد ملُؤَ الرّجل يملُؤُ ملاءةً فهو مليء‏:‏ صار مليئاً‏,‏ أي ثقةً‏,‏ فهو غنيّ مليء‏:‏ بيّن الملاء والملاءة‏.‏

وقد أُولِع فيه النّاس بترك الهمز وتشديد الياء‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء‏:‏ الملاءة‏:‏ هي الغنى واليسار‏.‏

وقد فسّر أحمد الملاءة فقال‏:‏ تعتبر الملاءة في المال والقول والبدن‏,‏ فالمليء هو من كان قادراً بماله وقوله وبدنه‏,‏ قال البهوتي‏:‏ وجزم به في المحرّر والنّظم والفروع والفائق والمنتهى وغيرها‏,‏ ثمّ قال البهوتي‏:‏ زاد في الرّعاية الصغرى والحاويين‏:‏ وفعله‏,‏ وزاد في الكبرى عليهما‏:‏ وتمكنه من الأداء‏.‏

فالملاءة في المال‏:‏ القدرة على الوفاء‏,‏ والملاءة في القول‏:‏ أن لا يكون مماطلاً‏.‏

والملاءة في البدن‏:‏ إمكان حضوره مجلس الحكم‏,‏ قال البهوتي‏:‏ هذا معنى كلام الزّركشيّ‏.‏ ثمّ قال‏:‏ والظّاهر أنّ‏:‏ ‏"‏ فعله ‏"‏ يرجع إلى عدم المطل إذ الباذل غير مماطل‏.‏

و‏:‏ ‏"‏ تمكنه من الأداء ‏"‏ يرجع إلى القدرة على الوفاء‏,‏ إذ من ماله غائب أو في الذّمّة ونحوه غير قادر على الوفاء‏,‏ ولذلك أسقطهما الأكثر ولم يفسّرهما‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الإعسار‏:‏

2 - الإعسار في اللغة‏:‏ مصدر أعسر‏,‏ وهو ضد اليسار‏,‏ والعسر‏:‏ الضّيق والشّدّة‏,‏ والإعسار والعسرة‏:‏ قلّة ذات اليد‏.‏

والإعسار في الاصطلاح‏:‏ عدم القدرة على النّفقة أو على أداء ما عليه بمال ولا كسب‏,‏ أو هو زيادة خرجه عن دخله‏.‏

والإعسار ضد الملاءة‏.‏

ما يتعلّق بالملاءة من أحكام

يتعلّق بالملاءة أحكام منها‏:‏

أ - أثر الملاءة في زكاة الدّين‏:‏

3 - اختلف الفقهاء في زكاة الدّين إذا كان على مليء‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏زكاة ف / 20‏,‏ 21‏)‏‏.‏

ب - أثر الملاءة في أخذ المشفوع‏:‏

4 - من أحكام الشّفعة‏:‏ أنّ الشّفيع يأخذ الشّقص المشفوع بمثل الثّمن الّذي استقرّ عليه العقد وقت لزومه قدراً وجنساً وصفةً‏,‏ لحديث جابر رضي الله تعالى عنه‏:‏ «فهو أحق بها بالثّمن»‏.‏

فإن كان ثمن الشّقص المشفوع مؤجّلاً إلى أجل معلوم أخذه الشّفيع بمثل ثمنه مؤجّلاً إلى أجله‏,‏ لأنّ الشّفيع يستحق الأخذ بقدر الثّمن وصفته‏,‏ والتّأجيل من صفته‏,‏ وهذا عند المالكيّة والحنابلة‏.‏

لكنّ الشّفيع لا يستحق الأخذ إلّا بشروط‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ إنّما يستحق الشّفيع أخذ الشّقص بالثّمن المؤجّل إذا كان موسراً بالثّمن يوم الأخذ‏,‏ ولا يلتفت ليسره يوم حلول الأجل في المستقبل‏,‏ ولا يكفي تحقق يسره يوم حلول الأجل بنزول جامكيّة أو معلوم وظيفة في المستقبل إذا كان يوم الأخذ معسراً مراعاةً لحقّ المشتري‏,‏ ولا يراعى خوف طروّ عسره قبل حلول الأجل إلغاءً للطّارئ‏,‏ لوجود مصحّح العقد يوم الأخذ وهو اليسر‏.‏

فإن لم يكن الشّفيع موسراً يوم الأخذ‏,‏ فإن أمكن أن يأتي بضامن مليء أو برهن ثقة‏,‏ فإنّه يستحق الأخذ‏,‏ وإذا لم يكن الشّفيع موسراً وقت الأخذ ولم يأت بضامن مليء أو رهن ثقة فإنّه يجب عليه تعجيل الثّمن للمشتري ولو ببيع الشّقص لأجنبيّ‏,‏ فإن لم يعجّل الثّمن فلا شفعة له‏.‏

لكن إذا تساوى الشّفيع والمشتري في العدم فلا يلزم الشّفيع حينئذٍ الإتيان بضامن مليء‏,‏ ويحق له أن يأخذ الشّقص بالشّفعة إلى ذلك الأجل‏,‏ وهذا على المختار‏.‏

ومقابل المختار‏:‏ أنّه متى كان الشّفيع معدماً فلا يأخذه إلّا بضامن مليء ولو كان مساوياً للمشتري في العدم‏,‏ وكذلك لو كان الشّفيع أشدّ عدماً من المشتري فإنّه يلزمه أن يأتي بحميل مليء‏,‏ فإن أبى أسقط الحاكم شفعته‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن كان ثمن الشّقص المشفوع مؤجّلاً أخذه الشّفيع بالأجل إن كان الشّفيع مليئاً‏,‏ فإن لم يكن مليئاً - بأن كان معسراً - أقام كفيلاً مليئاً بالثّمن وأخذ الشّقص بالثّمن مؤجّلاً‏,‏ لأنّ الشّفيع يستحق الأخذ بقدر الثّمن وصفته‏,‏ والتّأجيل من صفته‏,‏ واعتبرت الملاءة أو الكفيل دفعاً لضرر المشتري‏.‏

هذا إذا كان ثمن الشّقص المشفوع مؤجّلاً‏,‏ فإن كان حالاً وعجز الشّفيع عنه أو عن بعضه سقطت شفعته‏,‏ ولو أتى الشّفيع برهن أو ضمين لم يلزم المشتري قبولهما ولو كان الرّهن محرزاً والضّمين مليئاً‏,‏ لما على المشتري من الضّرر بتأخير الثّمن‏,‏ والشّفعة شرعت لدفع الضّرر‏,‏ فلا تثبت معه‏.‏

وعند الحنفيّة والشّافعيّة في الأظهر‏:‏ إن كان ثمن المشفوع مؤجّلاً فللشّفيع الخيار‏:‏ إن شاء أخذ بثمن حال‏,‏ وإن شاء صبر حتّى ينقضي الأجل ثمّ يأخذ‏,‏ وليس له أن يأخذ في الحالّ بثمن مؤجّل‏,‏ وليس الرّضا بالأجل في حقّ المشتري رضاً به في حقّ الشّفيع‏,‏ لتفاوت النّاس في الملاءة‏.‏

وقال زفر من الحنفيّة‏,‏ وهو القول الثّاني عند الشّافعيّة‏:‏ يأخذه بالثّمن المؤجّل تنزيلاً له منزلة المشتري‏,‏ ولأنّ كونه مؤجّلاً وصف في الثّمن كالزّيافة‏,‏ والأخذ بالشّفعة بالثّمن‏,‏ فيأخذه بأصله ووصفه كما في الزيوف‏.‏

والقول الثّالث عند الشّافعيّة‏:‏ يأخذه بسلعة لو بيعت إلى ذلك الأجل لبيعت بذلك القدر‏.‏

ج - أثر الملاءة في الضّمان‏:‏

5 - يرى جمهور الفقهاء ‏"‏ أبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‏"‏‏:‏ أنّه لا يشترط ملاءة المضمون عنه‏,‏ ولذلك يصح ضمان كلّ من وجب عليه حق‏,‏ سواء كان المضمون عنه حيّاً أو ميّتاً‏,‏ وسواء كان مليئاً أو مفلساً‏,‏ والدّليل على ذلك‏:‏ ما رواه سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال‏:‏ «كنّا جلوساً عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذ أُتي بجنازة‏,‏ فقالوا‏:‏ صلِّ عليها‏.‏ فقال‏:‏ هل عليه دين ‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏,‏ قال‏:‏ فهل ترك شيئاً ‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏,‏ فصلّى عليه‏.‏ ثمّ أتي بجنازة أخرى‏,‏ فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه صلّ عليها‏.‏ قال‏:‏ هل عليه دين ‏؟‏ قيل‏:‏ نعم‏,‏ قال‏:‏ فهل ترك شيئاً ‏؟‏ قالوا‏:‏ ثلاثة دنانير‏.‏ فصلّى عليها‏.‏ ثمّ أتي بالثّالثة فقالوا‏:‏ صلّ عليها‏.‏ قال‏:‏ هل ترك شيئاً ‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فهل عليه دين ‏؟‏ قالوا‏:‏ ثلاثة دنانير‏.‏ قال‏:‏ صلوا على صاحبكم‏.‏ قال أبو قتادة‏:‏ صلِّ عليه يا رسول اللّه وعليّ دينه‏,‏ فصلّى عليه» فدلّ الحديث على أنّه يصح ضمان المدين الّذي لم يخلّف وفاءً‏.‏ وعلّل أبو يوسف ومحمّد صحّة الكفالة بالدّين عن الميّت المفلس بأنّ الموت لا ينافي بقاء الدّين لأنّه مال حكميّ‏,‏ فلا يفتقر بقاؤه إلى القدرة على الوفاء‏,‏ ولهذا بقي إذا مات مليئاً حتّى تصحّ الكفالة به‏,‏ وكذا بقيت الكفالة بعد موته مفلساً‏.‏

وبنى الشّافعيّة قولهم على أنّه لا يشترط معرفة المضمون عنه - وهو المدين - لأنّ قضاء دين الغير بغير إذنه جائز فالتزامه أولى‏,‏ كما يصح الضّمان عن الميّت وإن لم يخلّف وفاءً‏.‏ وذهب أبو حنيفة - وهو قول أبي ثور - إلى أنّه يشترط في المكفول له أن يكون مليئاً‏,‏ حتّى يكون قادراً على تسليم المكفول به إمّا بنفسه أو بنائبه‏,‏ ولذلك لا يصح عنده الكفالة بالدّين عن الميّت المفلس‏,‏ لأنّ الدّين عبارة عن الفعل والميّت عاجزٌ عن الفعل‏,‏ فكانت هذه كفالةً بدين ساقط كما إذا كفل على إنسان بدين ولا دين عليه‏,‏ وإذا مات مليئاً فهو قادر بنائبه‏.‏

د - أثر الملاءة في أداء الدّين‏:‏

6 - من كان عليه دين حال وكان مليئاً مقراً بدينه أو عليه بيّنة وجب عليه أداء الدّين حين طلبه‏,‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «مَطْلُ الغنيّ ظُلْمٌ»‏,‏ وبالطّلب يتحقّق المطل‏,‏ إذ لا يقال‏:‏ مطله إلّا إذا طالبه فدافعه‏.‏

وذهب بعض فقهاء الشّافعيّة إلى أنّ أداء الدّين للقادر على الأداء لا يتوقّف على الطّلب‏.‏ جاء في حاشية الجمل‏:‏ يجب على الغنيّ أداء الدّين فوراً إن خاف فوت أدائه إلى المستحقّ إمّا بموته أو مرضه أو بذهاب ماله‏,‏ أو خاف موت المستحقّ‏,‏ أو طالبه رب الدّين‏,‏ أو علم حاجته إليه وإن لم يطالبه‏,‏ ذكر ذلك البارزي‏.‏

7 - وإذا أمره الحاكم بالأداء فطلب إمهاله لبيع عروضه ليوفي دينه من ثمنها أمهل باجتهاد الحاكم‏,‏ لكن لا يؤجّل إلّا إذا أعطى حميلاً بالمال‏,‏ وهذا ما ذهب إليه المالكيّة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن كان للمدين القادر على الوفاء سلعة‏,‏ فطلب من ربّ الحقّ أن يمهله حتّى يبيعها ويوفيه الدّين من ثمنها أمهل بقدر ذلك‏,‏ أي بقدر ما يتمكّن من بيعها والوفاء من ثمنها‏.‏

وكذا إن طولب بمسجد أو سوق وماله بداره أو مودع أو ببلد آخر فيمهل بقدر ما يحضره فيه‏.‏

وكذلك إن أمكن المدين أن يحتال لوفاء دينه باقتراض ونحوه فيمهل بقدر ذلك‏,‏ ولا يحبس لعدم امتناعه من الأداء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

وإن خاف رب الحقّ هربه احتاط بملازمته أو بكفيل‏,‏ ولا يجوز منعه من الوفاء بحبسه‏,‏ لأنّ الحبس عقوبة لا حاجة إليها‏.‏

وقال الحنابلة أيضاً‏:‏ لو ماطل المدين حتّى شكاه رب الحقّ فما غرمه في شكواه فعلى المدين المماطل إذا كان رب الحقّ قد غرّمه على الوجه المعتاد‏,‏ لأنّه تسبّب في غرمه بغير حق‏.‏

8 - وإذا امتنع المدين المليء من أداء الدّين بعد الطّلب وبعد إعطائه المهلة لبيع عروضه أو غير ذلك كما سبق بيانه‏,‏ أو لم يأت بحميل بالمال كما يقول المالكيّة‏,‏ فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ الحاكم يحبسه‏,‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «مَطْلُ الغنيّ ظُلْمٌ»‏,‏ فيحبس دفعاً للظلم لقضاء الدّين بواسطة الحبس‏,‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏

«لَيُ الواجد يُحِل عِرْضه وعقوبته»‏.‏ والحبس عقوبة كما قال الكاساني وابن قدامة‏.‏

لكنّ الحنفيّة قالوا‏:‏ إنّ الحبس لا يكون إلّا بطلب ربّ الدّين من القاضي‏,‏ فما لم يطلب رب الدّين حبس المدين المماطل لا يحبس لأنّ الدّين حقه‏,‏ والحبس وسيلة إلى حقّه‏,‏ ووسيلة حقّ الإنسان هي حقه‏,‏ وحق المرء إنّما يطلب بطلبه‏,‏ فلا بدّ من الطّلب للحبس‏,‏ فإذا طلب رب الدّين حبس المدين - وثبت عند القاضي سبب وجوب الدّين وشرائطه بالحجّة - حبسه لتحقق الظلم عنده بتأخير حقّ الدّين من غير ضرورة‏,‏ والقاضي نصب لدفع الظلم فيندفع الظلم عنه‏.‏

9 - ويشترط لحبس المليء المماطل أن يكون ممّن سوى الوالدين لصاحب الدّين فلا يحبس الوالدون وإن علوا بدين المولودين وإن سفلوا‏,‏ لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا‏}‏‏,‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً‏}‏‏,‏ وليس من المصاحبة بالمعروف والإحسان حبسهما بالدّين‏,‏ إلّا أنّه إذا امتنع الوالد من الإنفاق على ولده الّذي عليه نفقته فإنّ القاضي يحبسه‏,‏ لكن تعزيزاً لا حبساً بالدّين‏.‏

وأمّا الولد فيحبس بدين الوالد‏,‏ لأنّ المانع من الحبس حق الوالدين‏.‏

وكذا سائر الأقارب‏,‏ يحبس المديون بدين قريبه كائناً من كان‏.‏

ويستوي في الحبس الرّجل والمرأة‏,‏ لأنّ الموجب للحبس لا يختلف بالذكورة والأنوثة‏.‏ ويحبس ولي الصّغير إذا كان ممّن يجوز له قضاء دينه‏,‏ لأنّه إذا كان الظلم بسبيل من قضاء دينه صار بالتّأخير ظالماً‏,‏ فيحبس ليقضي الدّين فيندفع الظلم‏.‏

لكن عند المالكيّة يحبس الجد بدين ولد ولده‏,‏ لأنّ حقّه دون حقّ الأب‏.‏

10 - وإذا حبس الحاكم المدين وأصرّ على الامتناع عن الوفاء فقد اختلف الفقهاء فيما يفعله الحاكم به‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ إذا قامت البيّنة على يساره أبّد الحاكم حبسه لظلمه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يضرب معلوم الملاء مرّةً بعد مرّة باجتهاد الحاكم في العدد بمجلس أو مجالس‏,‏ ولو أدّى إلى إتلافه لظلمه باللّدد دون أن يقصد الحاكم إتلافه‏,‏ أما لو ضربه قاصداً إتلافه فإنّه يقتص منه‏,‏ قالوا‏:‏ ولا يبيع ماله‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن امتنع الموسر من أداء الدّين أمره الحاكم به‏,‏ فإن امتنع من الأداء وكان له مال ظاهر - وهو من جنس الدّين - وفَّى منه‏,‏ وإن كان من غير جنس الدّين باع الحاكم عليه ماله - وإن كان المال في غير محلّ ولايته كما صرّح به القاضي والقمولي - أو أكرهه على البيع بالتّعزير بحبس أو غيره‏,‏ لما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنّه قال‏:‏ ‏"‏ إنّ الأُسَيْفعَ أُسيْفع جهينة رَضِيَ من دِينه وأمانته أن يقال‏:‏ سبق الحاجّ‏,‏ إلّا أنّه قد دان مُعْرِضاً‏,‏ فأصبح قد رين به‏,‏ فمن كان له عليه دين فليأتنا بالغداة نقسم ماله بينهم ‏"‏‏.‏ ولو التمس الغريم من الحاكم الحجر على مال الممتنع من الأداء أجيب لئلّا يتلف ماله‏.‏

وإن كان للمدين مال فأخفاه وهو معلوم‏,‏ وطلب غريمه حبسه حبسه الحاكم وحجر عليه وعزّره حتّى يظهره‏,‏ فإن لم ينزجر بالحبس ورأى الحاكم ضربه أو غيره فعل ذلك‏,‏ ولو زاد مجموع الضّرب على الحدّ‏.‏

ولا يعزّره ثانياً حتّى يبرأ من التّعزير الأوّل‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن أصرّ المدين المليء على الحبس ولم يؤدّ الدّين باع الحاكم ماله وقضى دينه‏,‏ لما روى كعب بن مالك رضي الله عنه عن أبيه «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حجر على معاذٍ رضي الله عنه ماله وباعه في دين كان عليه»‏.‏

وقال جماعة منهم‏:‏ إذا أصرّ المدين على الحبس وصبر عليه ضربه الحاكم‏,‏ قال في الفصول وغيره‏:‏ يحبسه فإن أبى الوفاء عزّره‏,‏ ويكرّر حبسه وتعزيره حتّى يقضي الدّين‏,‏ قال ابن تيميّة‏:‏ نصّ عليه الأئمّة من أصحاب أحمد وغيرهم ولا أعلم فيه نزاعاً‏,‏ لكن لا يزاد في كلّ يوم على أكثر التّعزير إن قيل بتقديره‏.‏

هـ - اختلاف المدين والغريم في الملاءة‏:‏

11 - لو أقام الغريم بيّنةً بملاءة المدين‏,‏ أو ادّعى ملاءته بلا بيّنة‏,‏ وأقام المدين بيّنةً بإعساره‏,‏ أو ادّعى الإعسار بلا بيّنة‏,‏ فقد اختلف الفقهاء فيمن تقبل بيّنته‏,‏ وفيمن يقبل قوله لو لم تكن معه بيّنة‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ لو اختلف الغريم والمدين في اليسار والإعسار‏,‏ فقال الطّالب‏:‏ هو موسر‏,‏ وقال المطلوب‏:‏ أنا معسر‏,‏ فإن قامت لأحدهما بيّنة قبلت بيّنته‏,‏ وإن أقاما جميعاً البيّنة‏,‏ فالبيّنة بيّنة الطّالب‏,‏ لأنّها تثبت زيادةً وهي اليسار‏,‏ وإن لم يقم لهما بيّنةً فقد ذكر محمّد في الكفالة والنّكاح والزّيادات أنّه ينظر‏:‏ إن ثبت الدّين بمعاقدة كالبيع والنّكاح والكفالة والصلح عن دم العمد والصلح عن المال والخلع‏,‏ أو ثبت تبعاً فيما هو معاقدة كالنّفقة في باب النّكاح فالقول قول الطّالب‏,‏ وكذا في الغصب والزّكاة‏,‏ وإن ثبت الدّين بغير ذلك كإحراق الثّوب أو القتل الّذي لا يوجب القصاص ويوجب المال في مال الجاني وفي الخطأ فالقول قول المطلوب‏.‏

وذكر الخصّاف في آداب القاضي أنّه إن وجب الدّين عوضاً عن مال سالم للمشتري‏,‏ نحو ثمن المبيع الّذي سلّم له المبيع والقرض والغصب والسّلم الّذي أخذ المسلم إليه رأس المال فالقول قول الطّالب‏,‏ وكل دين ليس له عوض أصلاً كإحراق الثّوب‏,‏ أو له عوض ليس بمال كالمهر وبدل الخلع وبدل الصلح عن دم العمد والكفالة فالقول قول المطلوب‏.‏

وقال الكاساني‏:‏ واختلف المشايخ فيه‏:‏

قال بعضهم‏:‏ القول قول المطلوب على كلّ حال ولا يحبس‏,‏ لأنّ الفقر أصل في بني آدم والغنى عارض‏,‏ فكان الظّاهر شاهداً للمطلوب‏,‏ فكان القول قوله مع يمينه‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ القول قول الطّالب على كلّ حال‏,‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لصاحب الحقّ اليد واللّسان»‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ يحكّم زيه‏:‏ إذا كان زيه زيّ الأغنياء فالقول قول الطّالب‏,‏ وإن كان زيه زيّ الفقراء فالقول قول المطلوب‏.‏

وعن أبي جعفر الهندوانيّ أنّه يحكّم زيه فيؤخذ بحكمه في الفقر والغنى‏,‏ إلّا إن كان المطلوب من الفقهاء أو العلويّة أو الأشراف‏,‏ لأنّ من عاداتهم التّكلف في اللّباس والتّجمل بدون الغنى‏,‏ فيكون القول قول المديون أنّه معسر‏.‏

ووجه ما ذكر الخصّاف أنّ القول في الشّرع قول من يشهد له الظّاهر‏,‏ فإذا وجب الدّين بدلاً عن مال سلّم له كان الظّاهر شاهداً للطّالب‏,‏ لأنّه ثبتت قدرة المطلوب بسلامة المال‏,‏ وكذا في الزّكاة فإنّها لا تجب إلّا على الغنيّ فكان الظّاهر شاهداً للطّالب‏.‏

ووجه قول محمّد وهو ظاهر الرّواية‏:‏ أنّ الظّاهر شاهد للطّالب فيما ذكرنا أيضاً من طريق الدّلالة‏,‏ وهو إقدامه على المعاقدة‏,‏ فإنّ الإقدام على التّزوج دليل القدرة‏,‏ إذ الظّاهر أنّ الإنسان لا يتزوّج حتّى يكون له شيء‏,‏ ولا يتزوّج أيضاً حتّى يكون له قدرة على المهر‏,‏ وكذا الإقدام على الخلع لأنّ المرأة لا تخالع عادةً حتّى يكون عندها شيء‏,‏ وكذا الصلح لا يقدم الإنسان عليه إلّا عند القدرة‏,‏ فكان الظّاهر شاهداً للطّالب في هذه المواضع فكان القول قوله‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن شهدت بيّنة بملاءة المدين‏,‏ وشهدت بيّنة بعدم ملاءته رجّحت بيّنة الملاء على بيّنة العدم إن بيّنت بيّنة الملاء سببه‏,‏ بأن قالت‏:‏ له مال يفي بدينه وقد أخفاه‏,‏ لأنّها بيّنة ناقلة ومثبتة وشاهدة بالعلم‏.‏

وقال ابن عرفة‏:‏ لو قالت بيّنة‏:‏ له مال باطن أخفاه‏,‏ قدّمت اتّفاقاً‏,‏ فإن لم تبيّن بيّنة الملاء سبب الملاء رجّحت بيّنة العدم‏,‏ سواء بيّنت سبب العدم أم لا‏.‏

وقال عليّ الأجهوري‏:‏ والّذي جرى العمل به تقديم بيّنة الملاء وإن لم تبيّن سببه‏.‏

وإن شهد شهود بعسر المدين‏,‏ وقالوا في شهادتهم‏:‏ إنّهم لا يعرفون للمدين مالاً ظاهراً ولا باطناً‏,‏ فإنّ المشهود له يحلف على ما شهد به الشّهود‏,‏ فيقول‏:‏ باللّه الّذي لا إله إلّا هو لم أعرف لي مالاً ظاهراً ولا باطناً‏,‏ ويزيد‏:‏ وإن وجدت مالاً لأقضين ما عليّ‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو تعارضت بيّنتا إعسار وملاءة كلّما شهدت إحداهما جاءت الأخرى فشهدت بأنّه في الحال على خلاف ما شهدت به الأولى‏,‏ فهل يقبل ذلك أبداً ويعمل بالمتأخّر‏؟‏ أفتى ابن الصّلاح بأنّه يعمل بالمتأخّر منهما وإن تكرّرت‏,‏ إذا لم ينشأ من تكرارها ريبة‏,‏ ولا تكاد بيّنة الإعسار تخلو عن ريبة إذا تكرّرت‏.‏

وقال الشّيرازي‏:‏ إن ادّعى المدين الإعسار نظر‏,‏ فإن لم يعرف له مال قبل ذلك فالقول قوله مع يمينه‏,‏ لأنّ الأصل عدم المال‏,‏ فإن عرف له مال لم يقبل قوله‏:‏ إنّه معسر‏,‏ إلّا ببيّنة‏,‏ لأنّ الأصل بقاء المال‏,‏ فإن قال‏:‏ غريمي يعلم أنّي معسر‏,‏ أو أنّ مالي هلك فحلِّفوه حُلّفَ الغريم‏,‏ لأنّ ما يدّعيه محتمل‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن ادّعى المدين الإعسار وكذّبه غريمه‏,‏ فلا يخلو إمّا أن يكون عرف له مال أو لم يعرف‏:‏ فإن عرف له مال‏,‏ ككون الدّين ثبت عن معاوضة كالقرض والبيع‏,‏ أو عرف له أصل مال سوى هذا فالقول قول غريمه مع يمينه‏,‏ فإذا حلف الغريم أنّه ذو مال حبس المدين حتّى تشهد بيّنة بإعساره‏,‏ لأنّ الظّاهر قول الغريم‏,‏ فكان القول قوله كسائر الدّعاوى‏.‏

فإن شهدت البيّنة بتلف ماله قبلت شهادتهم‏,‏ سواء كانت من أهل الخبرة الباطنة أو لم تكن‏,‏ لأنّ التّلف يطّلع عليه أهل الخبرة وغيرهم‏,‏ وإن طلب الغريم إحلافه على ذلك لم يجب إليه لأنّ ذلك تكذيب للبيّنة‏.‏

وإن شهدت البيّنة بالإعسار مع الشّهادة بالتّلف اكتفى بشهادتها وثبتت عسرته‏.‏

وإن لم تشهد البيّنة بعسرته وإنّما شهدت بالتّلف لا غير‏,‏ وطلب الغريم يمين المدين على عسره وأنّه ليس له مال آخر‏,‏ أستحلف على ذلك لأنّه غير ما شهدت به البيّنة‏.‏

وإن لم تشهد البيّنة بالتّلف‏,‏ وإنّما شهدت بالإعسار فقط لم تقبل الشّهادة إلّا من ذي خبرة باطنة ومعرفة متقادمة‏,‏ لأنّ هذا من الأمور الباطنة لا يطّلع عليه في الغالب إلّا أهل الخبرة والمخالطة‏,‏ وذلك لما روى قبيصة بن المخارق رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ «يا قبيصة إنّ المسألة لا تحل إلّا لأحد ثلاثة‏.‏‏.‏‏.‏ ورجل أصابته فاقة حتّى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه‏:‏ لقد أصابت فلاناً فاقةٌ فحلّت له المسألة حتّى يصيب‏,‏ قواماً من عيشٍ‏,‏ أو قال‏:‏ سداداً من عيشٍ»‏.‏

وإن لم يعرف للمدين مال الغالب بقاؤه‏,‏ ككون الحقّ ثبت عليه في غير مقابلة مال أخذه المدين كأرش جناية وقيمة متلف ومهر أو ضمان أو كفالة أو عوض خلع إن كان امرأةً‏,‏ وادّعى الإعسار ولم يقرّ المدين أنّه مليء‏,‏ فإنّه يحلف‏:‏ أنّه لا مال له ويخلّى سبيله‏,‏ لأنّ الأصل عدم المال‏.‏

فإن أنكر رب الدّين إعسار المدين‏,‏ وأقام بيّنةً بقدرة المدين على الوفاء‏,‏ فإنّ المدين يحبس لثبوت ملاءته‏.‏

ولو حلف رب الدّين‏:‏ أنّه لا يعلم عسرة المدين‏,‏ أو حلف رب الدّين‏:‏ أنّ المدين موسر‏,‏ أو ذو مال‏,‏ أو أنّه قادر على الوفاء حبس المدين لعدم ثبوت عسرته‏.‏

فإن لم يحلف رب الدّين بعد سؤال المدين حلّفه أنّه لا يعلم عسرته‏,‏ حلف المدين أنّه معسر وخلّي سبيله‏,‏ لأنّ الأصل عدم المال‏,‏ إلّا أن يقيم رب الدّين بيّنةً تشهد له بما ادّعاه من يساره فيحبس المدين‏.‏

و - أثر الملاءة في منع المدين من السّفر‏:‏

12 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المدين إذا أراد السّفر‏,‏ فإن كان الدّين حالاً وكان المدين مليئاً كان من حقّ الغريم منعه من السّفر حتّى يؤدّي إليه دينه‏,‏ وذلك - كما يقول الشّافعيّة - بأن يشغله عن السّفر برفعه إلى الحاكم ومطالبته حتّى يوفيه دينه‏,‏ لأنّ أداء الدّين فرض عين بخلاف السّفر‏,‏ لكن قال الشّافعيّة‏:‏ إن استناب من يوفيه عنه من مال الحاضر فليس له منعه من السّفر‏.‏

أمّا إن كان الدّين مؤجّلاً‏,‏ فقد ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه لا يجوز للغريم منع المدين من السّفر ما دام الدّين مؤجّلاً‏.‏

قال الكاساني‏:‏ لا يمنع المدين من السّفر قبل حلول الأجل‏,‏ سواء بعد محله أو قرب‏,‏ لأنّه لا يملك مطالبته قبل حلّ الأجل ولا يمكن منعه‏,‏ ولكن له أن يخرج معه‏,‏ حتّى إذا حلّ الأجل منعه من المضيّ في سفره إلى أن يوفيه دينه‏.‏

وقال الشّربيني الخطيب‏:‏ أمّا الدّين المؤجّل فليس للغريم منع المدين من السّفر ولو كان السّفر مخوفاً كجهاد‏,‏ أو كان الأجل قريباً‏,‏ إذ لا مطالبة به في الحالّ‏,‏ ولا يكلّف من عليه الدّين المؤجّل رهناً ولا كفيلاً ولا إشهاداً‏,‏ لأنّ صاحبه هو المقصّر حيث رضي بالتّأجيل من غير رهن وكفيل‏,‏ ولكن له أن يصاحبه في السّفر ليطالبه عند حلول الأجل‏,‏ بشرط أن لا يلازمه ملازمة الرّقيب لأنّ فيه إضراراً به‏.‏

أمّا المالكيّة فقد فرّقوا بين ما إذا كان الدّين المؤجّل يحل أثناء سفر المدين وبين ما إذا كان لا يحل أثناء سفره‏,‏ فقالوا‏:‏ للغريم منع المدين من السّفر إن حلّ الدّين بغيبته وكان موسراً ولم يوكّل مليئاً على القضاء ولم يضمنه موسر‏,‏ فإن كان المدين معسراً أو وكّل مليئاً يقضي الدّين في غيبته من ماله أو ضمنه مليء فليس لغريمه منعه من السّفر‏.‏

فإن كان الدّين لا يحل بغيبته فليس للغريم منعه من السّفر‏.‏

قال اللّخمي‏:‏ من عليه دين مؤجّل وأراد السّفر قبل حلوله فلا يمنع من السّفر إذا بقي من أجله قدر سيره ورجوعه‏,‏ وكان لا يخشى لدده ومقامه‏,‏ فإن خشي ذلك منه أو عرف باللّدد فله منعه من السّفر إلّا أن يأتي بحميل‏,‏ وإن كان موسراً وله عقار فهو بالخيار بين أن يعطى حميلاً بالقضاء أو وكيلاً بالبيع‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن أراد المدين سفراً طويلاً فوق مسافة القصر ويحل الدّين المؤجّل قبل فراغه من السّفر أو يحل بعده‏,‏ وسواء كان السّفر مخوفاً أو غير مخوف‏,‏ وليس بالدّين رهن يفي به ولا كفيل مليء بالدّين‏,‏ فلغريمه منعه من السّفر‏,‏ لأنّ عليه ضرراً في تأخير حقّه عن محلّه‏,‏ وقدومه عند المحلّ غير متيقّن ولا ظاهر فملك منعه‏,‏ لكن إذا وثّق المدين الدّين برهن يحرز الدّين أو كفيل مليء فلا يمنع من السّفر لانتفاء الضّرر‏.‏

ولو أراد المدين وضامنه معاً السّفر فللغريم منعهما إلّا إذا توثّق الدّين برهن محرز أو كفيل مليء‏.‏

لكن إذا كان سفر المدين لجهاد متعيّن فلا يمنع منه بل يمكّن من السّفر لتعينه عليه وكذلك إذا أحرم المدين بالحجّ أو العمرة فرضاً أو نفلاً فلا يحلّله الغريم من إحرامه لوجوب إتمامهما بالشّروع‏.‏

ز - أثر الملاءة في النّفقة على الزّوجة‏:‏

13 - ذهب الفقهاء إلى أنّ نفقة الزّوجة تجب على زوجها بحسب يساره ويسارها‏,‏ فتجب نفقة الموسرين إذا كانا موسرين‏,‏ ونفقة المعسرين إذا كانا معسرين‏,‏ ونفقة الوسط إذا كان أحدهما معسراً‏.‏

والأصل في ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ‏}‏‏,‏ وهذا في الجملة‏.‏

وللفقهاء تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏نفقة‏)‏‏.‏

ح - أثر الملاءة في النّفقة على الأقارب‏:‏

14 - الأصل في النّفقة على الأقارب - كالوالدين والأبناء - الكتاب والسنّة والإجماع‏.‏

أمّا الكتاب فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏‏,‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا‏}‏‏,‏ ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما‏.‏

ومن السنّة قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لهند رضي الله عنها‏:‏ «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»‏.‏

وأمّا الإجماع فقال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أنّ نفقة الوالدين الفقيرين اللّذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد‏.‏

ويشترط لوجوب النّفقة يسار المنفق‏,‏ وإعسار المنفق عليه‏,‏ واحتياجه إلى النّفقة‏,‏ وهذا باتّفاق في الجملة‏.‏

وللفقهاء في أصناف الّذين تجب لهم النّفقة‏,‏ وهل الأصل الملاءة فيمن طولب بالنّفقة فإذا ادّعى العدم فعليه الإثبات‏,‏ وغير ذلك من المسائل تفصيل وخلاف ينظر في مصطلح ‏(‏نفقة‏)‏‏.‏

مُلازَمَة

التّعريف

1 - الملازمة في اللغة‏:‏ مأخوذة من الفعل‏:‏ لازم‏,‏ يقال‏:‏ لازمت الغريم ملازمةً‏:‏ تعلّقت به‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الحبس‏:‏

2 - الحبس في اللغة‏:‏ المنع والإمساك‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء هو‏:‏ تعويق الشّخص ومنعه من التّصرف بنفسه والخروج إلى أشغاله ومهمّاته الدّينيّة والدنيويّة‏.‏

والعلاقة بين الملازمة والحبس‏:‏ أنّ كلاً منهما إجراء يتّخذ للتّوصل إلى أداء الحقوق‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالملازمة

أ - حكم ملازمة المدين

3 - لا خلاف بين جمهور الفقهاء في مشروعيّة أصل ملازمة المدين‏,‏ واختلفوا في شروط جوازها‏.‏

فذهب أبو حنيفة وصاحباه‏:‏ إلى أنّ للدّائن ملازمة المدين‏,‏ وإن ثبت إعساره عند القاضي‏,‏ وليس للقاضي منع الدّائن عن ملازمة مدينه‏,‏ وقالوا‏:‏ لأنّه يتمكّن بالملازمة من حمل المدين على قضاء الدّين‏,‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لصاحب الحقّ اليد واللّسان»‏.‏ وقالوا‏:‏ أراد عليه الصّلاة والسّلام باليد‏:‏ الملازمة‏,‏ وباللّسان‏:‏ التّقاضي‏.‏

وقالوا وإذا كان المدين امرأةً لا يلازمها منعاً من الخلوة بالأجنبيّة‏,‏ ويستأجر امرأةً تلازمها‏.‏ وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إذا ثبت إعسار المدين عند القاضي فليس لأحد مطالبته ولا ملازمته‏,‏ بل يمهل حتّى يوسر‏,‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ‏}‏‏.‏ وقد ثبت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لغرماء الّذي أصيب في ثمار ابتاعها فكثرت ديونه‏:‏ «خذوا ما وجدتم‏,‏ وليس لكم إلّا ذلك»‏.‏

ولأنّ من ليس لصاحب الحقّ مطالبته لم يكن له ملازمته‏,‏ كما لو كان عليه دين مؤجّل‏,‏ ومن وجب إنظاره بالنّصّ حرمت ملازمته‏,‏ أمّا إذا لم يثبت إعساره عند القاضي فيجوز ملازمته‏.‏

هذا ولم نقف فيما تيسّر لنا اطّلاعه من كتب المالكيّة ذكراً للملازمة‏.‏

ب - طريقة الملازمة‏:‏

4 - طريقة الملازمة عند الحنفيّة هي‏:‏ أن يتتبّع الدّائن أو من ينوب عنه المدين‏,‏ فيذهب حيثما ذهب‏,‏ وإن رجع إلى منزله فإن أذن له بالدخول دخل معه‏,‏ وإلّا انتظره على الباب ليلازمه بعد الخروج‏,‏ وليس له أن يحجزه في مكان خاصّ‏,‏ لأنّ ذلك حبسٌ وهو أمر لا يجوز لغير القاضي‏,‏ بل يدور معه حيثما يشاء هو‏,‏ لأنّه بذلك يتمكّن من حمل المدين على قضاء الدّين‏,‏ وللحديث السّابق‏:‏ «لصاحب الحقّ اليد واللّسان»‏.‏

وتكون الملازمة في النّهار لا ليلاً‏,‏ لأنّه ليس بوقت الكسب فلا يتوهّم وقوع مال في يده‏,‏ فالملازمة لا تفيد‏.‏

وكذا كل وقتٍ لا يتوهّم وقوع مال في يده فيه كوقت مرضه‏.‏

ج - حق ملازمة المكفول له الكفيل‏:‏

5 - قال الحنفيّة‏:‏ إذا غاب المكفول عنه وعجز الكفيل عن إحضاره وقت الحاجة‏,‏ فللمكفول له ملازمة الكفيل‏,‏ كالدّائن مع المدين المفلس تماماً‏.‏

د - حق المحال في ملازمة المحال عليه‏:‏

6 - يجوز للمحال ملازمة المحال عليه‏,‏ وإذا ثبت له هذا الحق على المحال عليه‏,‏ فللمحال عليه أن يلازم المحيل‏,‏ ليتخلّص من ملازمة المحال‏.‏

والتّفصيل في ‏(‏حوالة ف / 112 وما بعدها‏)‏‏.‏

مُلاعَنة

انظر‏:‏ لعان‏.‏

مُلامَسة

انظر‏:‏ بيع الملامسة‏.‏

مَلاهِي

انظر‏:‏ لهو‏.‏

مُلْتَزَم

التّعريف

1 - الملتزم بفتح الزّاي‏:‏ اسم مفعول من فعل التزم‏,‏ يقال‏:‏ التزمت الشّيء‏,‏ أي‏:‏ اعتنقته فهو ملتزَم‏,‏ ومنه يقال لما بين باب الكعبة والحجر الأسود‏:‏ الملتزم‏,‏ لأنّ النّاس يعتنقونه‏,‏ أي‏:‏ يضمونه إلى صدورهم‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ الملتزم ما بين الركن الّذي به الحجر الأسود إلى باب الكعبة من حائط الكعبة المشرّفة‏,‏ وعرضه علو أربعة أذرع‏,‏ وقال الرحيباني‏:‏ مساحته قدر أربعة أذرع بذراع اليد‏.‏

وسمّي بذلك «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم التزمه‏,‏ وأخبر أنّ هناك ملكاً يؤمّن على الدعاء»‏.‏

الحكم التّكليفي

2 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يستحب أن يلتزم الطّائف الملتزم بعد طواف الوداع اقتداءً بالرّسول صلى الله عليه وسلم‏,‏ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه قال‏:‏ «طفت مع عبد اللّه‏:‏ فلمّا جئنا دبر الكعبة قلت‏:‏ ألا تتعوّذ ‏؟‏ قال‏:‏ نعوذ 4باللّه من النّار‏,‏ ثمّ مضى حتّى استلم الحجر‏,‏ وأقام بين الركن والباب‏,‏ فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفّيه هكذا‏,‏ وبسطهما بسطاً‏,‏ ثمّ قال‏:‏ هكذا رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يفعله»‏.‏

ونصّ الحنفيّة والمالكيّة على استحباب التزام الملتزم بعد طواف القدوم أيضاً‏.‏

وأطلق الشّافعيّة استحباب التزام الملتزم بعد الطّواف مطلقاً‏.‏

كيفيّة التزام الملتزم والدعاء فيه

3 - نصّ الفقهاء على أنّ كيفيّة التزام الملتزم أن يلصق صدره ووجهه بجدار البيت‏,‏ ويضع خدّه الأيمن عليه‏,‏ ويبسط ذراعيه وكفّيه‏,‏ بحيث تكون يده اليمنى إلى الباب واليسرى إلى الركن‏,‏ ويتعلّق بأستار الكعبة كما يتعلّق عبد ذليل بطرف ثوب لمولى جليل كالمتشفّع بها‏,‏ ودعا حال تثبته وتعلقه بالأستار مجتهداً متضرّعاً‏,‏ متخشّعاً‏,‏ مكبّراً‏,‏ مهلّلاً‏,‏ مصلّياً على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ويبكي أو يتباكى‏,‏ ولو لم ينل الأستار يضع يديه على رأسه مبسوطتين على الجدار قائمتين‏,‏ والتصق بالجدار‏,‏ ودعا بما شاء وبما أحبّ من خيري الدنيا والآخرة‏,‏ ومنه‏:‏ اللّهمّ هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك‏,‏ حملتني على ما سخّرت لي من خلقك‏,‏ وسيّرتني في بلادك حتّى بلّغتني بنعمتك إلى بيتك‏,‏ وأعنتني على أداء نسكي‏,‏ فإن كنت رضيت عنّي فازدد عنّي رضاً‏,‏ وإلّا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري‏,‏ فهذا أوان الفراق إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك‏,‏ ولا راغب عنك ولا عن بيتك‏,‏ اللّهمّ فاصحبني العافية في بدني‏,‏ والصّحّة في جسمي‏,‏ والعصمة في ديني‏,‏ وأحسن منقلبي‏,‏ وارزقني طاعتك أبداً ما أبقيتني‏,‏ واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة‏,‏ إنّك على كلّ شيء قدير‏.‏

وإن أحبّ دعا بغير ذلك‏,‏ وصلّى على النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقت التزام الملتزم

4 - اختلف الفقهاء في وقت التزام الملتزم‏,‏ فذهب المالكيّة والحنابلة والحنفيّة في الأصحّ والمشهور من الرّوايات إلى أنّه يستحب أن يأتي الملتزم بعد ركعتي الطّواف‏,‏ قبل الخروج إلى الصّفا‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يندب أن يلتزم قبل الصّلاة‏.‏ وهو قول ثان عند الحنفيّة‏,‏ قال ابن عابدين‏:‏ وهو الأسهل والأفضل وعليه العمل‏.‏

مِلْح

التّعريف

1 - الملح في اللغة‏:‏ ما يطيب به الطّعام‏,‏ يؤنّث ويذكّر‏,‏ والتّأنيث فيه أكثر‏,‏ والجمع مِلاح - بالكسر -‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالملح

أ - التّوضّؤ بالماء المتغيّر بالملح‏:‏

2 - قال الحصكفي من الحنفيّة‏:‏ يجوز التّوضّؤ بماء ينعقد به ملح‏,‏ لا بماء حاصل بذوبان ملح‏,‏ لبقاء الأوّل على طبيعته الأصليّة وانقلاب الثّاني إلى طبيعته الملحيّة‏.‏

ونقل ابن عابدين عن الزّيلعي‏:‏ ولا يجوز التّوضّؤ بماء الملح‏,‏ وهو ما يجمد في الصّيف ويذوب في الشّتاء عكس الماء‏,‏ وأقرّه صاحب البحر والمقدسي‏,‏ ومقتضاه أنّه لا يجوز بماء الملح مطلقاً‏,‏ أي سواء انعقد ملحاً ثمّ ذاب أو لا‏,‏ وهو الصّواب عندي‏.‏

والمذهب عند المالكيّة - كما نقل الدسوقي عن ابن أبي زيد - أنّ تغير الماء بالملح لا يضر ولو طرح قصداً‏.‏

وقال القابسي‏:‏ إنّه كالطّعام فيسلب الطّهوريّة‏,‏ واختاره ابن يونس‏.‏ وقال الباجيّ‏:‏ الملح المعدني لا يسلب الطّهوريّة‏,‏ والمصنوع كالطّعام يسلبه‏.‏

ونقل الحطّاب عن سند أنّ الملح المعدنيّ يضر لأنّه طعام فيسلب الطّهوريّة‏,‏ والمصنوع لا يضر‏,‏ لأنّ أصله التراب فلا يسلب‏,‏ الطّهوريّة‏.‏

وعند الشّافعيّة في الماء المتغيّر بالملح أوجه‏:‏ أصحها‏:‏ يسلب الملح الجبلي الطّهوريّة منه دون المائيّ‏.‏

والثّاني‏:‏ يَسْلِبان‏.‏

والثّالث‏:‏ لا يسلبان‏.‏

ويرى الحنابلة أنّه يكره التّطهر بماء متغيّر بالملح المائيّ‏,‏ ولا يسلب خلط هذا الملح بالماء طهوريّة الماء‏,‏ لأنّ أصله الماء‏,‏ بخلاف الملح المعدنيّ فيسلبه الطّهوريّة‏,‏ وقالوا‏:‏ الماء الّذي خلط فيه ملح معدنيّ فغيّره طاهر‏.‏

ب - التّيمم بالملح‏:‏

3 - يرى الشّافعيّة والحنابلة أنّه لا يجوز التّيمم بالملح لأنّه لا يجوز التّيمم عندهم إلّا بالتراب‏.‏

وصرّح الحنفيّة بأنّ الملح المائيّ لا يجوز التّيمم به‏,‏ وإن كان الملح جبليّاً ففي التّيمم به روايتان صحّح كل منهما‏,‏ ولكن الفتوى على الجواز‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الملح يجوز التّيمم به ما دام في موضعه ‏(‏معدنه‏)‏ أمّا إن نقل من محلّه وصار مالاً في أيدي النّاس فلا يجوز التّيمم به‏.‏

ج - كون الملح مالاً ربويّاً‏:‏

4 - الملح من الأعيان الّتي نصّ على تحريم الرّبا فيها‏,‏ فقد روى عبادة بن الصّامت رضي الله عنه قال‏:‏ «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذّهب بالذّهب‏,‏ والفضّة بالفضّة‏,‏ والبرّ بالبرّ‏,‏ والشّعير بالشّعير‏,‏ والتّمر بالتّمر‏,‏ والملح بالملح‏,‏ إلّا سواءً بسواء‏,‏ عيناً بعين‏,‏ فمن زاد أو ازداد فقد أربى»‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ رباً، ف / 17‏)‏‏.‏

مِلْطاء

التّعريف

1 - الملطاء في اللغة بكسر الميم وبالمدّ في لغة الحجاز‏,‏ وبالألف في لغة غيرهم‏,‏ هي‏:‏ السِّمحاق بكسر السّين‏,‏ والسِّمحاق‏:‏ قشرة رقيقة فوق عظم الرّأس بين اللّحم والعظم‏.‏ وفي الاصطلاح‏:‏ يرى جمهور الفقهاء أنّ الملطاء هي السّمحاق‏,‏ أو هي الشّجّة الّتي تخرق اللّحم حتّى تدنو من العظم‏.‏

وفرّق بينهما المالكيّة فقالوا‏:‏ هي الشّجّة الّتي أزالت اللّحم وقربت للعظم ولم تصل إليه‏,‏ بل بقي بينه وبينها ستر رقيق‏.‏

والسّمحاق ما كشطت الجلد عن اللّحم‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

السِّمحاق‏:‏

2 - السِّمحاق بكسر السّين في اللغة‏:‏ قشرة رقيقة فوق عظم الرّأس‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ قال المالكيّة‏:‏ السّمحاق هي كشطة الجلد‏,‏ أي إزالته عن محلّه‏.‏

والصّلة بين الملطاء والسّمحاق عندهم‏:‏ أنّ السّمحاق من الجراحات المتعلّقة بالجلد‏,‏ والملطاء من الجراحات المتعلّقة باللّحم‏.‏

وأمّا عند جمهور الفقهاء فالملطاء والسّمحاق مترادفان كما سبق‏.‏

الحكم الإجمالي

3 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا تجب في الملطاء‏,‏ أي السّمحاق دية ولا أرشٌ مقدّر عندهم‏,‏ وإنّما تجب فيها حكومة عدل‏,‏ سواء كانت عمداً أم خطأً‏.‏

وقال المالكيّة وهو رواية عن محمّد وقول عند الشّافعيّة‏:‏ إنّه يجب في عمدها القصاص لإمكان ضبطها‏.‏

مِلْك

التّعريف

1 - الملك لغةً - بفتح الميم وكسرها وضمّها -‏:‏ هو احتواء الشّيء والقدرة على الاستبداد به والتّصرف بانفراد‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ يعبّر الفقهاء المحدثون بلفظ الملكيّة عن الملك‏,‏ لكنّ الفقهاء قبلهم يعبّرون بلفظ الملك‏.‏

وقد عرّف القرافي الملك - باعتباره حكماً شرعيّاً - فقال‏:‏ الملك حكم شرعيّ مقدّر في العين أو المنفعة‏,‏ يقتضي تمكن من يضاف إليه من انتفاعه بالمملوك والعوض عنه من حيث هو كذلك‏.‏

وقال ابن الشّاطّ‏:‏ الملك هو تمكن الإنسان شرعاً بنفسه أو بنيابة من الانتفاع بالعين أو بالمنفعة ومن أخذ العوض‏,‏ أو تمكنه من الانتفاع خاصّةً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الحق‏:‏

2 - يطلق الحق لغةً على نقض الباطل وعلى الحظّ‏,‏ والنّصيب‏,‏ والثّابت والموجود‏,‏ والشّيء الّذي لا ينبغي إنكاره‏.‏

وفي الاصطلاح يطلق على الواجب الثّابت الّذي يشمل حقوق اللّه تعالى‏,‏ وحقوق العباد‏.‏ والصّلة بين الحقّ والملك‏:‏ أنّ الحقّ أعم من الملك‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالملك

يتعلّق بالملك أحكام منها‏:‏

حرمة الملك في الإسلام

3 - صان الإسلام الملك‏,‏ فحرّم الاعتداء عليه‏,‏ والأدلّة على ذلك كثيرة‏,‏ منها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ‏}‏ وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ‏}‏ وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم»‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه‏,‏ ويقيموا الصّلاة‏,‏ ويؤتوا الزّكاة‏,‏ فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّ الإسلام‏,‏ وحسابهم على اللّه»‏.‏

قال إمام الحرمين‏:‏ القاعدة المعتبرة أنّ الملّاك مختصون بأملاكهم‏,‏ لا يزاحم أحد مالكاً في ملكه من غير حق مستحق‏,‏ ثمّ الضّرورة تحوّج ملّاك الأموال إلى التّبادل فيها‏.‏‏.‏‏.‏ فالأمر الّذي لا شكّ فيه تحريم التّسالب والتّغالب ومدّ الأيدي إلى أموال النّاس من غير استحقاق‏,‏ وقال ابن تيميّة‏:‏ والرّجل أحق بماله من ولده ووالده والنّاس أجمعين‏.‏

وقد جعل الإسلام ملك الأموال استخلافاً ومنحةً ربّانيّةً‏,‏ لأنّ المالك الحقيقيّ للأموال هو اللّه تعالى‏,‏ ولكنّه أعطى للإنسان حقّ التّملك واستخلفه على الأموال‏,‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ‏}‏‏.‏

والآيات في هذا المعنى كثيرة‏,‏ وقيل في تفسيرها‏:‏ إنّ الأموال الّتي في أيديكم إنّما هي أموال اللّه بخلقه وإنشائه لها‏,‏ وإنّما خوّلكم الاستمتاع بها‏,‏ وجعلكم خلفاء في التّصرف فيها‏,‏ فليست هي بأموالكم في الحقيقة‏,‏ وما أنتم فيها إلّا بمنزلة الوكلاء‏.‏

ويترتّب على ذلك أنّ اللّه تعالى فرض في الأموال حقوقاً للفقراء والمساكين وللأقارب ونحوهم‏.‏

أقسام الملك

للملك أقسام باعتبارات مختلفة‏:‏

- فهو باعتبار حقيقته‏:‏ إمّا ملك تام أو ناقص‏.‏

- وباعتبار المستفيد منه‏:‏ إمّا ملك عام أو خاص‏.‏

- وباعتبار سببه‏:‏ إمّا ملك اختياريّ أو جبريّ‏.‏

- وباعتبار احتمال سقوطه‏:‏ إمّا ملك مستقر أو غير مستقر‏.‏

أ - أقسام الملك باعتبار حقيقته‏:‏

4 - ينقسم الملك باعتبار حقيقته إلى ملك تام وملك ناقصٍ‏.‏

والملك التّام‏:‏ هو ملك الرّقبة والمنفعة‏,‏ والملك النّاقص‏:‏ هو ملك الرّقبة فقط‏,‏ أو المنفعة فقط‏,‏ أو الانتفاع فقط‏.‏

يقول ابن تيميّة‏:‏ الملك التّام يملك فيه التّصرف في الرّقبة بالبيع والهبة‏,‏ ويورث عنه‏,‏ ويملك التّصرف في منافعه بالإعارة والإجارة والانتفاع وغير ذلك‏.‏

وقد عبّر بعض الفقهاء بالملك الضّعيف بدل النّاقص‏,‏ يقول الزّركشي‏:‏ الملك قسمان‏:‏ تام وضعيف‏,‏ فالتّام يستتبع جميع التّصرفات‏,‏ والضّعيف بخلافه‏,‏ ثمّ أستعمل مصطلح النّاقص أيضاً‏.‏

ثمّ إنّ الأصل في الملك هو الملك التّام‏,‏ وأنّ الملك النّاقص خلاف الأصل‏,‏ كما أنّ المقصود من مشروعيّة الملك هو الانتفاع بالأشياء‏.‏

ولذلك جاء ملك الرّقبة دون المنفعة ناقصاً‏,‏ كأن يوصي بمنفعة عين لشخص‏,‏ أو أن يوصي بالرّقبة لشخص وبمنفعتها لآخر‏.‏

أمّا ملك المنافع‏:‏ فهو مشاع‏,‏ ويتحقّق في الإجارة بالنّسبة للمستأجر‏,‏ والإعارة بالنّسبة للمستعير‏,‏ والوصيّة بالمنفعة فقط‏,‏ والوقف على تفصيل فيه‏,‏ والأرض الخراجيّة المقرّة في يد من هي في يده بالخراج‏.‏

والوصيّة بالمنافع جائزة عند جمهور الفقهاء ما عدا ابن شبرمة وابن أبي ليلى‏.‏

أمّا ملك الانتفاع‏:‏ فقد ذكره جمهور الفقهاء ‏"‏ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‏"‏ وإن اختلفوا في تفصيل أحكامه‏.‏

فقد قسّم ابن رجب الحنبلي الملك إلى أربعة أنواع‏:‏ ملك عين ومنفعة‏,‏ وملك عين بلا منفعة‏,‏ وملك منفعة بلا عين‏,‏ وملك انتفاع من غير ملك المنفعة‏,‏ ثمّ قال‏:‏

أمّا النّوع الأوّل‏:‏ فهو عامّة الأملاك الواردة على الأعيان المملوكة بالأسباب المقتضية لها‏,‏ من بيعٍ وهبةٍ وإرثٍ وغير ذلك‏.‏

النّوع الثّاني‏:‏ ملك العين بدون منفعة‏.‏

النّوع الثّالث‏:‏ ملك المنفعة بدون عين وهو ثابت بالاتّفاق‏,‏ وهو ضربان‏:‏

الضّرب الأوّل‏:‏ ملك مؤبّد‏,‏ ويندرج تحته صور‏:‏ منها الوصيّة بالمنافع‏,‏ ومنها الوقف‏,‏ فإنّ منافعه وثمراته مملوكة للموقوف عليه‏.‏‏.‏‏.‏ ومنها الأرض الخراجيّة‏.‏

والضّرب الثّاني‏:‏ ملك غير مؤبّد‏,‏ فمنه الإجارة‏,‏ ومنه منافع البيع المستثناة في العقد مدّةً معلومةً‏.‏

النّوع الرّابع‏:‏ ملك الانتفاع المجرّد‏,‏ وله صور متعدّدة‏:‏ منها ملك المستعير‏,‏ فإنّه يملك الانتفاع لا المنفعة‏,‏ إلّا على رواية ابن منصور عن أحمد‏.‏

ومنها‏:‏ المنتفع بملك جاره من وضع خشب‏,‏ وممر في دار ونحوه‏,‏ وإن كان بعقد صلح فهو إجارة‏.‏

ومنها‏:‏ إقطاع الإرفاق كمقاعد الأسواق ونحوها‏,‏ ومنها‏:‏ الطّعام في دار الحرب قبل حيازته يملك القائمون الانتفاع به بقدر الحاجة‏,‏ وقياسه الأكل من الأضحيّة والثّمر المعلّق ونحوه‏,‏ ومنها أكل الضّيف لطعام المضيف فإنّه إباحة محضة‏.‏

وقد فصّل القرافي المالكي في التّفرقة بين ملك الانتفاع‏,‏ وملك المنفعة فقال‏:‏ فتمليك الانتفاع نريد به أن يباشر هو بنفسه فقط‏,‏ وتمليك المنفعة هو أعم وأشمل‏,‏ فيباشر بنفسه ويمكّن غيره من الانتفاع بعوض كالإجارة‏,‏ وبغير عوض كالعارية‏.‏

ومثال الأوّل - أي الانتفاع - سكنى المدارس والرّباط والمجالس في الجوامع والمساجد والأسواق ومواضع النسك كالمطاف والمسعى ونحو ذلك‏,‏ فله أن ينتفع بنفسه فقط‏.‏‏.‏‏.‏ أمّا مالك المنفعة فكمن استأجر داراً‏,‏ أو استعارها‏,‏ فله أن يؤاجرها من غيره‏,‏ أو يسكنه بغير عوض‏,‏ ويتصرّف في هذه المنفعة تصرف الملّاك في أملاكهم‏.‏

ثمّ ذكر أربع مسائل تدخل في ملك الانتفاع وهي‏:‏

الأولى‏:‏ النّكاح حيث هو من باب تمليك الانتفاع‏,‏ وليس تمليك المنفعة‏.‏

الثّانية‏:‏ الوكالة بغير عوض‏,‏ فهي من باب تمليك الانتفاع لا من باب تمليك المنفعة‏,‏ وأمّا الوكالة بعوض فهي من باب الإجارة‏.‏

الثّالثة‏:‏ القراض ‏"‏ المضاربة ‏"‏ والمساقاة والمغارسة‏,‏ فرب المال فيها يملك من العامل الانتفاع لا المنفعة‏,‏ بدليل أنّه ليس له أن يعاوض على ما ملكه من العامل من غيره‏,‏ ولا يؤاجره ممّن أراد‏,‏ بل يقتصر على الانتفاع بنفسه على الوجه الّذي اقتضاه عقد القراض‏.‏ الرّابعة‏:‏ إذا وقف شخص وقفاً على أن يسكن أو على السكنى‏,‏ ولم يزد على ذلك‏,‏ فظاهر اللّفظ يقتضي أنّ الواقف إنّما ملك الموقوف عليه الانتفاع بالسكنى دون المنفعة‏,‏ فليس له أن يؤاجر غيره‏,‏ ولا يسكنه‏.‏

وفرّق الشّافعيّة بين ملك المنفعة كالمستأجر‏,‏ وملك الانتفاع كالمستعير‏,‏ وقالوا‏:‏ من ملك المنفعة فله الإجارة والإعارة‏,‏ ومن ملك الانتفاع فليس له الإجارة قطعاً‏,‏ ولا الإعارة في الأصحّ‏.‏

وقد اختلف الفقهاء حول بعض المسائل الّتي تدخل عند بعضهم في ملك الانتفاع ولا تدخل فيه عند الآخرين‏,‏ بل تدخل في ملك المنفعة‏,‏ مثل العارية‏.‏‏.‏‏.‏ حيث ذهب الحنفيّة ما عدا الكرخيّ والمالكيّة والحنابلة في رأي إلى أنّ العارية تمليك للمنفعة بغير عوض‏,‏ ولذلك أجازوا للمستعير إعارة العين المستعارة بالقيود الّتي وضعها الفقهاء‏.‏

الفروق الجوهريّة بين الملك التّامّ والملك النّاقص

5 - ذهب الشّافعيّة‏,‏ والحنابلة في الصّحيح من المذهب‏,‏ والكرخي إلى أنّ الإعارة تمليك للانتفاع‏.‏

وتوجد فروق جوهريّة بين الملك التّامّ والملك النّاقص‏,‏ تلخيصها فيما يأتي‏:‏

أوّلاً‏:‏ إنّ لصاحب الملك التّامّ الحقّ في إنشاء جميع التّصرفات المشروعة من عقود ناقلة للملك التّامّ‏,‏ أو النّاقص‏,‏ فهو حر التّصرف في حدود عدم مخالفة الشّرع‏,‏ أمّا صاحب الملك النّاقص فليس له الحق في كلّ التّصرفات‏,‏ وإنّما هو مقيّد في حدود الانتفاع بالمنفعة فقط‏,‏ لأنّه لا يملك الرّقبة والمنفعة معاً‏.‏

ثانياً‏:‏ تأبيد الملك التّامّ‏:‏ والمقصود به أنّ الملك التّامّ دائم ومستمر لا ينتهي إلّا بسبب مشروع قاطع‏,‏ وكذلك لا يجوز تأقيته‏,‏ ولذلك لا يجوز تأقيت العقود النّاقلة للملك التّامّ كالبيع ونحوه‏,‏ فلا يجوز أن يقال‏:‏ بعت لك هذه الدّار بألف دينار لمدّة سنة‏,‏ إلّا إذا قصد بها الإجارة فيحمل عليها من باب‏:‏ إنّ العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني‏.‏

وأمّا الملك النّاقص فالعقود الواردة على المنافع فيها لا بدّ من تأقيتها مثل الإجارة والإعارة ونحوها‏,‏ فهي تقبل التّقييد بالزّمان والمكان ونوع الانتفاع‏.‏

ب - أقسام الملك باعتبار المستفيد منه‏:‏

6 - ينقسم الملك باعتبار المستفيد منه إلى ملك خاصّ‏,‏ وإلى ملك عام‏,‏ فالملك الخاص هو الّذي له مالك معيّن‏,‏ سواء أكان فرداً أم جماعةً‏.‏

وأمّا الملك العام فهو الملك الّذي لا يختص به مالك معيّن‏,‏ وإنّما يشترك فيه النّاس لا على التّعيين‏,‏ كملك الماء والكلأ والنّار‏,‏ لقول الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «المسلمون شركاء في ثلاث في الكلأ والماء والنّار»‏.‏

ج - أقسام الملك باعتبار سببه‏:‏

7 - ينقسم الملك باعتبار سببه إلى ملك اختياري أو قهري‏.‏

يقول الزّركشي‏:‏ الملك قسمان‏:‏ أحدهما يحصل قهراً كما في الميراث ومنافع الوقف‏.‏ والثّاني‏:‏ يحصل بالاختيار وهو على قسمين‏:‏

أحدهما‏:‏ بالأقوال‏,‏ ويكون في المعاوضات كالبيوع‏,‏ وفي غيرها كالهبات والوصايا‏,‏ والوقوف إذا اشترطنا القبول‏.‏

والثّاني‏:‏ يحصل بالأفعال كتناول المباحات كالاصطياد والإحياء‏.‏

ثمّ فرّق الزّركشي بينهما فقال‏:‏ وممّا يتخالفان فيه - أعني الاختياريّ والقهريّ - أنّ الاختياريّ يملك بالعوض المعيّن‏,‏ أو بما في الذّمّة‏,‏ ولا يتوقّف على أداء الثّمن بلا خلاف‏,‏ وأمّا القهري كالأخذ بالشّفعة فلا يملك حتّى يقبض المشتري الثّمن‏,‏ أو يرضى بتأخيره على أحد القولين‏,‏ والصّحيح أنّه يملك بذلك وبقضاء القاضي له‏.‏

ومنها‏:‏ أنّ التّملك القهريّ يحصل بالاستيلاء على ملك الغير كما في أموال الكفّار‏,‏ بخلاف الاختياريّ‏.‏

ومنها‏:‏ أنّ التّملك القهريّ هل يشرط فيه معرفة شروطه من الرؤية ونحوها ‏؟‏ خلاف - كما في الشّفعة‏,‏ يؤخذ الشّقص الّذي لم يره - على قولين‏,‏ والاختياري يشترط فيه قطعاً‏.‏ ومنها‏:‏ أنّه يغتفر فيه ما لا يغتفر في الاختياريّ‏,‏ كالرّدّ بالعيب‏,‏ وكذا الصّيد في حقّ المحرم‏,‏ ولا يملك ذلك كلّه بالاختيار‏.‏

وقال القرافي‏:‏ اختلف العلماء‏,‏ هل الأسباب الفعليّة أقوى أم القوليّة أقوى ‏؟‏ فقيل‏:‏ الفعليّة أقوى‏,‏ وقيل‏:‏ القوليّة أقوى‏.‏

وقد بيّن القرافي الفرق بين السّببين فقال‏:‏ الأسباب الفعليّة تصح من السّفيه المحجور عليه دون القوليّة‏.‏ فالمحجور عليه يملك الصّيد بالاصطياد‏,‏ والأرض بالإحياء‏,‏ في حين لا يملك إنشاء عقود البيع والهبة ونحوهما‏,‏ وذلك لأنّ الأسباب الفعليّة تعود بالنّفع عليه‏,‏ أمّا الأسباب القوليّة فإنّها موضع المماكسة والمغابنة‏,‏ فقد تعود عليه بالضّرر‏,‏ كما أنّ فيها طرفاً آخر ينازعه ويجاذبه إلى الغبن‏,‏ وهو ضعيف العقل‏,‏ فلا يستطيع تحقيق مصلحته‏.‏

د - أقسام الملك باعتبار السقوط وعدمه‏:‏

8 - ينقسم الملك - باعتبار احتمال سقوطه وعدمه - إلى نوعين هما‏:‏

الملك المستقر الّذي لا يحتمل السقوط بتلف المحلّ‏,‏ أو تلف مقابله كثمن المبيع بعد القبض‏,‏ والصّداق بعد الدخول‏.‏

والملك غير المستقرّ الّذي يحتمل ذلك كالأجرة قبل استيفاء المنفعة‏,‏ والثّمن قبل قبض المبيع‏.‏

أسباب الملك

9 - للملك أسبابه الّتي تؤدّي إلى تحقيقه ذكر ابن نجيم في الأشباه أنّ أسباب الملك هي‏:‏ المعاوضات الماليّة‏,‏ والأمهار‏,‏ والخلع‏,‏ والميراث‏,‏ والهبات‏,‏ والصّدقات‏,‏ والوصايا‏,‏ والوقف‏,‏ والغنيمة‏,‏ والاستيلاء على المباح‏,‏ والإحياء‏,‏ وتملك اللقطة بشرطه‏,‏ ودية القتيل يملكها أوّلاً ثمّ تنتقل إلى الورثة‏,‏ ومنها الغرّة يملكها الجنين فتورث عنه‏,‏ والغاصب إذا فعل بالمغصوب شيئاً أزال به اسمه وعظم منافعه ملكه‏,‏ وإذا خلط المثلي بمثليّ بحيث لا يتميّز ملكه‏.‏

وذكر الحصكفي أنّ أسباب الملك ثلاثة‏:‏ ناقل كبيع وهبة‏,‏ وخلافة كإرث‏,‏ وأصالة وهو الاستيلاء حقيقةً بوضع اليد‏,‏ أو حكماً بالتّهيئة كنصب شبكة لصيد‏.‏

وذكر السيوطيّ نقلاً عن الكفاية أنّ أسباب الملك ثمانية‏:‏ الميراث‏,‏ والمعاوضات‏,‏ والهبات‏,‏ والوصايا‏,‏ والوقف‏,‏ والغنيمة‏,‏ والإحياء‏,‏ والصّدقات‏.‏

قال ابن السبكي‏:‏ وبقيت أسباب أخر‏,‏ منها‏:‏ تملك اللقطة بشرطه‏,‏ ومنها‏:‏ دية القتيل يملكها أوّلاً ثمّ تنقل لورثته على الأصحّ‏,‏ ولذلك يوفّى منها دينه‏,‏ ومنها‏:‏ الجنين‏,‏ الأصح أنّه يملك الغرّة‏,‏ ومنها‏:‏ خلط الغاصب المغصوب بماله‏,‏ أو بمال آخر لا يتميّز فإنّه يوجب ملكه إيّاه‏,‏ ومنها‏:‏ الصّحيح أنّ الضّيف يملك ما يأكله‏,‏ وهل يملك بالوضع بين يديه‏,‏ أو في الفم‏,‏ أو بالأخذ‏,‏ أو بالازدراد يتبيّن حصول الملك قبيله ‏؟‏ أوجه‏.‏

القيود الواردة على الملك

ترد على الملك قيود تتعلّق إمّا بالأسباب أو بالاستعمال أو بالانتقال‏,‏ وكذلك القيود الّتي أعطيت لوليّ الأمر وللمتعاقد‏.‏

أوّلاً - القيود الواردة على أسباب الملك

10 - تظهر هذه القيود من خلال كون أسباب كسب الملك في الشّريعة مقيّدة بأن تكون مشروعةً‏,‏ وليست مطلقةً‏,‏ ولذلك فالوسائل المحرّمة من سرقة‏,‏ وغصب‏,‏ أو استغلال‏,‏ أو قمار‏,‏ أو رباً‏,‏ أو نحو ذلك ليست من أسباب التّملك‏,‏ حيث قطعت الشّريعة الطّريق بين الأسباب المحرّمة والملك‏,‏ ومنعتها منعاً باتاً‏,‏ وطالبت المؤمنين جميعاً أن تكون أموالهم حلالاً طيّباً‏,‏ وبذلك وردت الآيات والأحاديث الكثيرة‏,‏ منها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ‏}‏‏.‏ حيث منع أكل أموال النّاس إلّا عن طريق الرّضا والإرادة‏.‏

وقد أمر اللّه بأكل الطّيّبات فقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ‏}‏‏.‏

وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أيها النّاس إنّ اللّه طيّب لا يقبل إلّا طيّباً‏,‏ وإنّ اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ‏}‏‏,‏ وقال ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ‏}‏ ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السّماء‏:‏ يا ربّ يا ربّ‏,‏ ومطعمه حرام‏,‏ ومشربه حرام وملبسه حرام وغذّي بالحرام‏,‏ فأنّى يستجاب لذلك»‏.‏

ثانياً - القيود الواردة على استعمال الملك

11 - وضعت الشّريعة قيوداً على الملك من حيث الاستعمال فأوجبت على المالك‏:‏

أ - أن لا يكون مبذّراً مسرفاً‏,‏ ولا مقتّراً بخيلاً‏,‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً‏}‏، وقال سبحانه ‏{‏وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً‏}‏‏.‏

والآيات والأحاديث في هذا المجال كثيرة تدل على حرمة الإسراف والتّبذير وتضييع المال بدون فائدة حتّى في مجال الأكل‏,‏ يقول محمّد بن حسن الشّيباني‏:‏ ثمّ الحاصل أنّه يحرم على المرء فيما اكتسبه من الحلال الإفساد‏,‏ والسّرف‏,‏ والتّقتير‏.‏‏.‏‏.‏ ثمّ السّرف في الطّعام أنواع‏:‏ ومنه الاستكثار في المباحات والألوان‏.‏

ب - ألّا يستعمل المالك ما حرّمه الشّرع‏,‏ ومن ذلك حرمة لبس الحرير للرّجال واستعمال الذّهب لهم واستعمال أواني الذّهب والفضّة للرّجال والنّساء‏.‏

ج - وجوب الاستنماء في الجملة وعدم تعطيل الأموال حتّى تؤدّي دورها في التّداول والتّعمير‏,‏ تدل على ذلك الآيات والأحاديث الكثيرة الّتي تطالب بالعمل والتّجارة والصّناعة والزّراعة بصيغ الأوامر‏,‏ ومنها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ‏}‏ ومن الأحاديث قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من ولي يتيماً له مال فليتّجر فيه ولا يتركه حتّى تأكله الصّدقة»‏.‏

كما صرّح الفقهاء بأنّ ما لا تتم مصالح الأمّة إلّا به فهو واجب على الكفاية‏,‏ ونصوا على أنّ الحرف والصّنائع والتّجارة المحتاج إليها من فروض الكفايات لأنّ قيام الدنيا بها‏,‏ وقيام الدّين يتوقّف على أمر الدنيا‏,‏ حتّى لو امتنع الخلق منه أثموا‏,‏ وكانوا ساعين في إهلاك أنفسهم‏,‏ لكنّ النفوس مجبولة على القيام به‏,‏ فلا تحتاج إلى حث عليها وترغيب فيها‏.‏ وقال محمّد بن الحسن الشّيباني‏:‏ ثمّ المذهب عند جمهور الفقهاء أنّ الكسب بقدر ما لا بدّ منه فريضة‏.‏

وينظر مصطلح ‏(‏إنماء ف / 10 - 17‏)‏‏.‏

د - عدم الإضرار بالفرد والمجتمع‏:‏ اتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز للشّخص في استعماله ملكه أن يقصد الإضرار بالغير‏,‏ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا ضرر ولا ضرار» وهذا يدل على عدم جواز الإضرار بأحد لا في ماله‏,‏ ولا في نفسه ولا في عرضه‏.‏

وكذلك لا يجوز مقابلة الضّرر بالضّرر والإتلاف بالإتلاف‏,‏ فكل تصرف - ولو كان في ملك المالك - يمنع إذا أدّى إلى الإضرار بالآخرين‏,‏ ولذلك منع الفقهاء المالك من إشعال النّار في يوم عاصف‏,‏ ولو كان في ملكه‏,‏ ما دام يترتّب عليه إحراق شيء من أموال الجيران‏,‏ حيث يعتبر متعدّياً‏,‏ وعليه الضّمان‏.‏

12 - ولكنّ الفقهاء اختلفوا في منع الجار من التّصرفات المعتادة الّتي يترتّب عليها الإضرار بالجار على ثلاثة مذاهب‏:‏

فمنهم من لم يمنع من ذلك‏,‏ وهم متقدّمو الحنفيّة‏,‏ والشّافعيّة على الرّاجح‏,‏ وأحمد في رواية‏.‏

ومنهم من يمنع ما دام فيه قصد الإضرار‏,‏ أو كان الضّرر فاحشاً‏,‏ وهم المالكيّة‏,‏ وأحمد في الرّواية المشهورة‏,‏ وبعض الشّافعيّة‏.‏

ومنهم من فرّق بين الضّرر الفاحش فيمنع‏,‏ وغير الفاحش الّذي لا يمنع‏,‏ وهو رأي أبي يوسف في رواية‏,‏ ومتأخّري الحنفيّة‏,‏ وبعض الشّافعيّة‏.‏

وكما منعت الشّريعة الإضرار بالأفراد منعت الإضرار بالمجتمع‏,‏ ولذلك حرّمت الاحتكار والرّبا‏,‏ والمتاجرة المؤدية إلى الفساد‏.‏

ثالثاً - القيود الواردة عند انتقال الملك

13 - ذهب الفقهاء إلى أنّ لانتقال الملك شروطاً وضوابط‏,‏ وجعلت الشّريعة وسائل الانتقال - كقاعدة عامّة في حالة الحياة - في الرّضا والإرادة‏,‏ بل اشترطت أن يكون الرّضا غير مشوب بعيوب الرّضا وعيوب الإرادة‏,‏ من الغشّ والتّدليس والاستغلال والإكراه والغلط ونحو ذلك‏,‏ لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ‏}‏‏,‏ ولقول الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّما البيع عن تراض»‏,‏ وقوله‏:‏ «لا يحل مال امرئ مسلم إلّا ما أعطاه عن طيب نفسه»‏.‏

وللتّفصيل ر‏:‏ مصطلح ‏(‏رضاً ف / 13 وما بعدها‏)‏‏.‏

كذلك حدّد الفقهاء إرادة المالك المريض مرض الموت بالثلث إذا كانت تصرفاته عطاءً وهبةً‏,‏ أو محاباةً‏,‏ أو وصيّةً‏.‏

ر‏:‏ مصطلح ‏(‏مرض الموت‏)‏‏.‏

وقد قيّدت الشّريعة إرادة المحجور عليه في العقود الّتي فيها ضرر‏,‏ أو من شأنها الضّرر على تفصيل يراجع فيه مصطلح‏:‏ ‏(‏حجر‏,‏ سفه ف / 26 وما بعدها‏)‏‏.‏

وأمّا في حالة الموت فإنّ جميع أموال الميّت تنتقل إلى الورثة حسب قواعد الفرائض‏,‏ كما أنّ وصيّته تنفّذ في حدود الثلث‏,‏ وتنتقل إلى الموصى إليهم‏.‏

وللتّفصيل يراجع مصطلح ‏(‏إرثٌ ف / 14‏,‏ وصيّة‏)‏‏.‏

رابعاً - القيود الّتي أعطيت لوليّ الأمر

أعطت الشّريعة الإسلاميّة وليّ الأمر حقّ وضع قيود على الملك ومن ذلك‏:‏

الأوّل - تقييد الملك الخاصّ للمصلحة العامّة‏:‏

14 - تقر الشّريعة الملك للأفراد وتحميه وتصونه‏,‏ ومعيار تقييده فيها يقوم على المصلحة العامّة الّتي لا تختص بواحد معيّن‏,‏ أو جماعة معيّنة‏,‏ وإنّما تعم المجتمع‏,‏ يقول الشّاطبي‏:‏ لأنّ المصالح العامّة مقدّمة على المصالح الخاصّة‏.‏

فحق الملك‏,‏ وإن كان خاصاً بصاحبه‏,‏ ومن حقّه أن يتصرّف فيه كما يشاء‏,‏ إلّا أنّ حقّ الغير مصون ومحافظ عليه شرعاً‏,‏ فمراعاة مصالح الآخرين قيد على استعمال الحقوق ومنها الملك‏,‏ يقول الشّاطبي‏:‏ لأنّ طلب الإنسان لحظّه حيث أذن له لا بدّ فيه من مراعاة حقّ اللّه وحقّ المخلوقين‏.‏

وحق اللّه تعالى هو ما يتعلّق بالنّفع العامّ‏.‏

الثّاني - القيود الّتي أعطيت لوليّ الأمر على حقّ التّملك‏:‏

ويندرج تحتها ما يلي‏:‏

أ - إحياء الأرض الموات‏:‏

15 - اختلف الفقهاء في تملك الأرض الموات بالإحياء دون إذن الإمام‏,‏ أو أنّه يشترط إذن الإمام لتملكها‏,‏ فذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة إلى أنّه لا يشترط في الإحياء إذن الإمام‏.‏

وخالفهم أبو حنيفة والمالكيّة على تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏إحياء الموات ف / 14‏)‏‏.‏

ب - تملك المعادن‏:‏

16 - ذهب المالكيّة إلى أنّ المعادن‏,‏ سواء أكانت جامدةً أم سائلةً‏,‏ وسواء أكانت ظاهرةً أم في باطن الأرض‏,‏ وسواء أكانت في أرض مملوكة ملكاً خاصاً أم غير مملوكة فهي ملك للدّولة ‏"‏ جميع المسلمين ‏"‏ تتصرّف فيها بما يحقّق المصلحة العامّة بتأجيرها لمدّة معلومة‏,‏ أو إقطاعها لا على وجه التّمليك‏.‏

وكذلك الأمر عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة في المعادن الظّاهرة في أرض الموات‏,‏ حيث لا تملك عندهم بالإحياء‏,‏ لأنّ في ذلك إضراراً بعامّة المسلمين‏,‏ وكذلك الحكم في المعادن الباطنة‏,‏ فلا تملك بالإحياء على الرّاجح في المذهب الشّافعيّ‏,‏ وعلى أشهر الرّوايتين عند الحنابلة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏إحياء الموات ف / 29‏)‏‏.‏

ج - الحِمَى‏:‏

17 - الحمى حيث هو قيد على الإحياء‏,‏ فقد ذهب جمهور الفقهاء‏:‏ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في الصّحيح إلى أنّه ليس لغير رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من أئمّة المسلمين أن يحموا لأنفسهم شيئاً‏,‏ ولكن لهم أن يحموا مواضع لترعى فيها خيل المجاهدين‏,‏ ونعم الجزية وإبل الصّدقة وضوال النّاس على وجهٍ لا يتضرّر به من سواهم‏.‏ ثمّ إنّ الحمى نفسه مقيّد بالمصلحة فلا يجوز التّوسع فيه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏إحياء الموات ف / 21‏,‏ وحمىً ف / 6‏)‏‏.‏

الثّالث - القيود الّتي أعطيت لوليّ الأمر على حقّ التّصرف في الملك‏:‏

لوليّ الأمر الحق في تقييد تصرفات المالك بما تقتضيه المصلحة العامّة دون ضرر ولا ضرار‏,‏ ويظهر ذلك فيما يأتي‏:‏

أ - التّسعير‏:‏

18 - التّسعير هو تقدير السلطان أو نائبه للنّاس سعراً وإجبارهم على التّبايع بما قدّره‏.‏ وقد اتّفق الفقهاء على أنّ الأصل في التّسعير هو الحرمة‏,‏ أمّا جواز التّسعير فمقيّد عندهم بشروط معيّنة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏تسعير ف / 5 وما بعدها‏)‏‏.‏

ب - الاحتكار‏:‏

19 - الاحتكار هو شراء طعام ونحوه‏,‏ وحبسه إلى الغلاء‏.‏

وقد اتّفق الفقهاء على أنّ الاحتكار بالقيود الّتي اعتبرها كل منهم محظور‏,‏ لما فيه من الإضرار بالنّاس والتّضييق عليهم‏,‏ واتّفقوا على أنّ الحاكم يأمر المحتكر بإخراج ما احتكر إلى السوق وبيعه للنّاس‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏احتكار ف / 12‏)‏‏.‏

مدى سلطان الدّولة في نزع الملك

20 - للدّولة الحق في نزع الملك استثناءً للمصلحة العامّة‏.‏

قال ابن حجر الهيتمي‏:‏ أجمع العلماء على أنّه لو كان عند إنسان طعام واضطرّ النّاس إليه يجبر على بيعه دفعاً للضّرر عنهم‏.‏

وتفصيل ذلك فيما يلي‏:‏

أوّلاً - استملاك الأراضي المملوكة ملكاً خاصاً لأجل المصلحة العامّة

21 - ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا ضاق المسجد بالنّاس فيجوز توسعته على حساب الأراضي المملوكة ملكاً خاصاً وكذلك الأمر إذا احتاج النّاس إلى شقّ طرق عامّة أو توسعتها ونحو ذلك ولكن لا بدّ من تعويض عادل يقوم بتقديره ذوو الخبرة‏.‏

وقد نصّت مجلّة الأحكام العدليّة على أنّه‏:‏ لدى الحاجة يؤخذ ملك كائن من كان بالقيمة بأمر السلطان ويلحق بالطّريق‏,‏ لكن لا يؤخذ من يده ما لم يؤدّ له الثّمن‏,‏ وذلك لما روي عن الصّحابة رضي الله تعالى عنهم لمّا ضاق المسجد الحرام أخذوا أرضين بكره من أصحابها بالقيمة وزادوا في المسجد الحرام وبفعل عثمان رضي الله تعالى عنه في توسيعه مسجد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

ثانياً - نزع الملكيّة لأجل مصلحة الأفراد

22 - ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا تعارضت مصلحة فرديّة مع مصلحة فرديّة أخرى فإنّ الشّريعة تقدّم أقواهما وأولاهما بالاعتبار وأكثرهما درءاً للمفسدة‏,‏ وبناءً على ذلك فقد أجازت الشّريعة نزع الملك الخاصّ‏,‏ أو التّملك القهريّ لأجل مصلحة فرديّة في عدّة صور‏,‏ منها‏:‏

أ - الشّفعة‏:‏

23 - الشّفعة لغةً‏:‏ الضّم‏,‏ وشرعاً‏:‏ تمليك البقعة جبراً على المشتري بما قام عليه بمثله إذا كان مثليّاً‏,‏ وإلّا فبقيمته‏.‏

والشّفعة ثابتة للشّريك بالاتّفاق‏,‏ وللجار على خلاف بين الفقهاء‏,‏ حيث ذهب جمهورهم

‏"‏ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‏"‏ إلى عدم ثبوتها للجار‏,‏ في حين ذهب الحنفيّة إلى ثبوتها للجار الملاصق‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏شفعة ف / 4 وما بعدها‏)‏‏.‏

ب - بيع أموال المدين لصالح الدّائن جبراً عليه‏:‏

24 - أجاز جمهور الفقهاء - ما عدا أبا حنيفة - بيع أموال المدين لأداء ديون الغرماء ما دام له مال‏,‏ حيث يحجر القاضي عليه إذا طلبوا ذلك‏,‏ ثمّ يبيع القاضي ماله ويوزّعه عليهم حسب حصص ديونهم إذا امتنع المدين عن بيعه بنفسه‏,‏ وذلك يشمل جميع الديون‏,‏ سواء أكانت ديون قرض أو بيع أو نفقة أو دية أو تعويض‏.‏

ج - بيع المرهون لأداء الدّين‏:‏

25 - للحاكم أن يجبر الرّاهن على قضاء دينه‏,‏ أو بيع المرهون‏,‏ فإن أبى يقوم الحاكم ببيعه عند جمهور الفقهاء‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏رهن ف / 24‏)‏‏.‏

د - الأشياء الّتي لا تنقسم أو في قسمتها ضرر‏:‏

26 - يجوز للحاكم أن يجبر على البيع من أباه إذا طلب البيع أحد الشّريكين في الأشياء الّتي لا تنقسم أو في قسمتها ضرر فإذا امتنع باع عنه الحاكم دفعاً للضّرر اللّاحق بالطّالب‏,‏ لأنّه إذا باع نصيبه مفرداً نقص ثمنه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏قسمة ف / 12 وما بعدها‏)‏‏.‏

مِلْكيَّة

انظر‏:‏ ملك‏.‏

مُمَاثَلة

التّعريف

1 - المماثلة في اللغة‏:‏ مصدر ماثل‏,‏ يقال‏:‏ ماثل الشّيءَ‏:‏ شابهه‏,‏ ويقال ماثل فلاناً‏:‏ شبّهه به‏.‏

ولا تكون المماثلة إلّا بين المتّفقين‏,‏ تقول‏:‏ نحوه كنحوه‏,‏ وفقه كفقهه‏,‏ ولونه كلونه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

المساواة‏:‏

2 - المساواة من ساوى الشّيء الشّيء مساواةً‏:‏ ماثله وعادله قدراً أو قيمةً‏.‏

والعلاقة بين المماثلة والمساواة‏:‏ أنّ المساواة تكون بين المختلفين في الجنس والمتّفقين فيه‏,‏ لأنّ التّساوي‏:‏ هو التّكافؤ في المقدار‏:‏ لا يزيد ولا ينقص‏.‏

أمّا المماثلة‏:‏ فلا تكون إلّا بين متّفقين‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمماثلة‏:‏

تتعلّق بالمماثلة أحكام منها‏:‏

أ - المماثلة في بيع الرّبويّ بجنسه‏:‏

3 - يشترط لصحّة بيع الرّبويّ بجنسه - مع التّقابض في المجلس والحلول - المماثلة بين الثّمن والمثمّن يقيناً‏,‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الذّهب بالذّهب‏,‏ والفضّة بالفضّة‏,‏ والبر بالبرّ‏,‏ والشّعير بالشّعير‏,‏ والتّمر بالتّمر‏,‏ والملح بالملح‏,‏ مثلاً بمثل‏,‏ سواء بسواء‏,‏ يداً بيد‏,‏ فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم‏,‏ إذا كان يداً بيد»‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏رباً ف / 27 وما بعدها‏)‏‏.‏

ب - المماثلة بين الجاني والمجنيّ عليه لثبوت القصاص‏:‏

4 - يشترك لثبوت القود للمجنيّ عليه أو لورثته على الجاني‏:‏ المماثلة بينهما في خصال‏,‏ فإن فضّل الجاني بخصلة منها عن المجنيّ عليه لم يقتصّ له منه على اختلاف بين الفقهاء في بعض التّفاصيل‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏قصاص ف / 13 وما بعدها‏,‏ جناية على ما دون النّفس ف / 3 وما بعدها‏)‏‏.‏

ج - المماثلة في استيفاء الحقّ الماليّ‏:‏

5 - الأصل في استيفاء الحقّ الماليّ أن يستوفي صاحب الحقّ عين حقّه إذا وجد‏,‏ فإن لم توجد العين فمثله إذا كان مثليّاً‏,‏ فإن لم يكن له مثل فقيمته‏,‏ وهذا في الجملة‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏استيفاء ف / 17‏)‏‏,‏ ومصطلح ‏(‏ظفر بالحقّ ف / 11 وما بعدها‏)‏‏.‏

د - المماثلة في باب الإرث‏:‏

6 - المراد بالمماثلة في حساب الفرائض كون أحد العددين مساوياً للآخر‏,‏ كالثّلاثة مع الثّلاثة‏,‏ والخمسة مع الخمسة‏.‏

والفروض المقدّرة في كتاب اللّه ستّة‏:‏

الثلثان‏,‏ والثلث‏,‏ والسدس‏,‏ والنّصف‏,‏ والربع‏,‏ والثمن‏.‏

ثمّ إن كانت الورثة عصباتٍ قسّم المال عليهم بالسّويّة إن تمحّضوا ذكوراً أو إناثاً‏,‏ وإن اجتمع الصّنفان قدّر كل ذكر أنثيين‏,‏ وأصل المسألة في هذه الحالات‏:‏ عدد رءوس المقسوم عليهم‏.‏ وإن كان مع العصبات ذو فرض واحد فأصل المسألة مخرج ذلك الكسر‏,‏ كبنت وعم‏,‏ وفرض البنت النّصف‏,‏ وأقل مخرج للنّصف اثنان‏:‏ فأصل المسألة إذاً اثنان‏.‏

فإن كان في الورثة ذوا فرضين‏:‏ فإن كانا متماثلين في الفرض والمخرج‏:‏ كأخ لأمّ‏,‏ وأم‏,‏ وأخ لأب‏,‏ فأصل المسألة من مخرج ذلك الكسر‏,‏ وهو ستّة‏,‏ لأنّ فرض كل من الأخ للأمّ والأمّ‏:‏ السدس‏,‏ وأقل عدد يخرج منه السدس‏:‏ ستّة‏.‏

فإن لم تكن في المسألة عصبة فالمسألة أيضاً من ذلك الكسر‏:‏ ففي زوج وأختٍ شقيقة أو لأب فالمسألة من اثنين‏,‏ لتماثل الفرضين والمخرج‏,‏ وهكذا في كلّ مسألة تماثل العددان كثلاثة وثلاثة مخرّجي الثلث والثلثين‏,‏ كولدي أم وأختين شقيقتين أو لأب‏,‏ ففرض ولدي الأمّ الثلث‏,‏ وفرض الأختين لغير الأمّ ثلثان‏,‏ فيكتفى بأحدهما‏.‏

مُمَاطَلة

انظر‏:‏ مطل‏.‏

مُمَاكَسة

التّعريف

1 - المماكسة في اللغة مصدر ماكس‏,‏ وهي في البيع‏:‏ انتقاص الثّمن واستحطاطه والمنابذة بين المتبايعين‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ بمعنى المشاحّة ويختلف المراد بها من معاملة لأخرى‏.‏

فهي في البيع‏:‏ استنقاص الثّمن عمّا طلبه البائع‏,‏ والزّيادة عمّا طلبه المشتري‏.‏

وفي الجزية‏:‏ معناها المشاحّة في قدر الجزية عند العقد‏,‏ والمنازعة في الاتّصاف بالصّفات عند الأخذ‏.‏

ما يتعلّق بالمماكسة من أحكام

المماكسة في أخذ الجزية

2 - نصّ الشّافعيّة على أنّه يسن للإمام في وضع الجزية مماكسة غير فقير عند قوّتنا‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏جزية ف / 47‏)‏‏.‏

اختبار رشد الصّبيّ بالمماكسة

3 - يختبر رشد الصّبيّ بالمماكسة‏,‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏رشد ف / 8‏)‏‏.‏

مَمَرّ

انظر‏:‏ ارتفاق‏.‏

مَمْسُوح

التّعريف

1 - الممسوح لغةً‏:‏ اسم مفعول من مسح‏,‏ ومن معانيه في اللغة‏:‏ الخصي إذا سلّت مذاكيره‏,‏ والمغيّر عن خلقته‏.‏ والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغويّ‏.‏

ويعبّر الحنفيّة والمالكيّة عن الممسوح في الغالب بلفظ المجبوب‏.‏

فقد قال البابرتيّ‏:‏ المجبوب هو الّذي أستؤصل ذكره وخصيتاه‏.‏

وقال الشّلبيّ‏:‏ المجبوب هو مقطوع الذّكر والخصيتين‏.‏

وقال المنوفي المالكي‏:‏ الجب هو قطع الذّكر والأنثيين‏.‏

ويطلق الشّافعيّة والحنابلة لفظ المجبوب في غالب استعمالاتهم على مقطوع الذّكر فقط‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المجبوب‏:‏

2 - المجبوب لغةً‏:‏ اسم مفعول من جبّ بمعنى قطع وهو‏:‏ الّذي أستؤصلت مذاكيره‏.‏

وفي الاصطلاح اختلف الفقهاء في معناه إلى رأيين‏:‏

الأوّل‏:‏ المجبوب وهو من قطع ذكره أصلاً‏,‏ كما صرّح بعض الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏ الثّاني‏:‏ هو من قطع ذكره وخصيتاه كما صرّح به بعض الحنفيّة والمالكيّة‏.‏

والصّلة بين الممسوح والمجبوب أنّ الممسوح أعم من المجبوب عند البعض‏.‏

ب - الخصي‏:‏

3 - الخصي في اللغة على وزن فعيل بمعنى مفعول‏,‏ يطلق على من قطع ذكره‏,‏ أو سلّت خصيتاه‏.‏

وأمّا في الاصطلاح‏:‏ فقد اختلفت عبارات الفقهاء في المراد بهذا اللّفظ‏,‏ فقيل‏:‏ الخصي من قطعت أنثياه مع جلدتهما‏.‏

وقيل‏:‏ الخصي من قلبت أنثياه‏.‏

وقيل‏:‏ الخصي مقطوع الذّكر قائم الأنثيين‏.‏

والصّلة بين الخصيّ والممسوح‏:‏ أنّ الممسوح قد يطلق على ذاهب الذّكر والأنثيين جميعاً‏.‏ ج - العنّين‏:‏

4 - العنّين في اللغة‏:‏ من لا يقدر على إتيان النّساء‏,‏ أو لا يشتهي النّساء‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء‏:‏ العنّين هو العاجز عن الوطء في القبل لعدم انتشار الآلة‏.‏

والفرق بين الممسوح والعنّين هو بقاء الذّكر والأنثيين في العنّين‏,‏ وذهابهما في الممسوح‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالممسوح

تتعلّق بالممسوح عدّة أحكام‏,‏ منها‏:‏

مرتبة الممسوح في إدخال الأنثى القبر

5 - صرّح الشّافعيّة بأنّ أحقّ النّاس في وضع الأنثى في قبرها الزّوج‏,‏ فالمحرم الأقرب فالأقرب‏,‏ فعبدها لأنّه كالمحرم في النّظر ونحوه‏,‏ فممسوح‏,‏ فمجبوب‏,‏ فخصيّ لضعف شهوتهم‏,‏ ورتّبوا كذلك لتفاوتهم في الشّهوة‏,‏ إذ الممسوح أضعف من المجبوب والخصيّ‏,‏ لأنّه لم يبق له شيء من الأنثيين‏,‏ والمجبوب أضعف من الخصيّ لجبّ ذكره‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ دفن ف / 6‏)‏‏.‏

نظر الممسوح إلى الأجنبيّة

6 - اختلف الفقهاء في حكم نظر الممسوح إلى الأجنبيّة إلى ثلاثة آراء‏:‏

الرّأي الأوّل‏:‏ ذهب الحنابلة والشّافعيّة في القول المقابل للأصحّ - وهو ما يؤخذ من عبارات فقهاء المالكيّة - إلى أنّه يحرم نظر الممسوح إلى الأجنبيّة ولو امرأة سيّده كغير الممسوح‏.‏ قال ابن عقيل‏:‏ لا تباح خلوة النّساء بالخصيان ولا بالمجبوبين لأنّ العضو وإن تعطّل أو عدم فشهوة الرّجال لا تزول من قلوبهم‏,‏ ولا يؤمن التّمتع بالقبلة أو غيرها‏,‏ ولذلك لا يباح خلوة الفحل بالرّتقاء من النّساء‏.‏

وقال القرافي‏:‏ لا يجوز للخصيّ الدخول على المرأة إلّا أن يكون عبدها‏,‏ واستخفّ إذا كان عبد زوجها للمشقّة الدّاخلة عليها في استتارها منه‏.‏

الرّأي الثّاني‏:‏ قال الحنفيّة‏:‏ إنّ الممسوح كالفحل في النّظر إلى الأجنبيّة حيث قالوا‏:‏ إنّ المجبوب مطلقاً - سواء جفّ ماؤه أو لا - كالفحل في النّظر إلى الأجنبيّة لقوله تعالى‏:‏

‏{‏قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ‏}‏‏,‏ والمجبوب من الذكور المؤمنين فيدخل تحت الخطاب‏,‏ وقالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ ‏"‏ الخصاء مثلة فلا يبيح ما كان حراماً قبله ‏"‏‏,‏ والمجبوب يشتهي ويسحق وينزل ولو جاءت امرأته بولد يثبت نسبه‏.‏

ونصوا على أنّه لا يجوز أن ينظر الرّجل ‏"‏ الفحل ‏"‏ إلى الأجنبيّة إلّا وجهها وكفّيها‏,‏ فإن كان لا يأمن الشّهوة لا ينظر إلى وجهها إلّا لحاجة‏.‏

ورخّص بعض مشايخ الحنفيّة في حقّ المجبوب الّذي جفّ ماؤه الاختلاط بالنّساء‏.‏

قال أبو السعود‏:‏ الأصح المنع مطلقاً كما في الخانيّة‏.‏

الرّأي الثّالث‏:‏ يرى الشّافعيّة في الأصحّ إلى أنّ نظر الممسوح إلى الأجنبيّة كالنّظر إلى المحرم‏,‏ بمعنى أنّه يحل نظره بلا شهوة نظر المحرم‏,‏ سواء أكان الممسوح حراً أم لا‏,‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ‏}‏‏,‏ أي‏:‏ غير أصحاب الحاجة إلى النّكاح‏,‏ ويشمل الممسوح‏.‏

وقال الشّربيني الخطيب‏:‏ وينبغي - كما قال الزّركشي - تقييد جواز النّظر في الممسوح بأن يكون مسلماً في حقّ المسلمة‏,‏ فإن كان كافراً منع على الأصحّ لأنّ أقلّ أحواله أن يكون كالمرأة الكافرة‏.‏

أثر خلوة الممسوح بزوجته في تقرير المهر

7 - يؤخذ من عبارات الحنفيّة والحنابلة أنّ خلوة الممسوح بزوجته تقرّر المهر‏.‏

فقد جاء في الفتاوى الهنديّة‏:‏ وخلوة المجبوب خلوة صحيحة عند أبي حنيفة‏.‏

والخلوة الصّحيحة من أحد المعاني الثّلاثة الّتي يتأكّد المهر بها‏,‏ سواء كان مسمّى أو مهر المثل‏,‏ حتّى لا يسقط منه شيء بعد ذلك إلّا بالإبراء من صاحب الحقّ‏.‏

وجاء في كشّاف القناع‏:‏ وتقرّر الخلوة المهر ولو لم يطأ‏,‏ ولو كان بالزّوجين أو كان بأحدهما مانع حسّيّ كجبّ ورتق ونضاوة أي هزال‏.‏‏.‏‏.‏ فإنّ الخلوة تقرّر المهر كاملاً إذا كانت بشروطها‏,‏ لأنّ الخلوة نفسها مقرّرة للمهر‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة على الجديد إلى أنّ خلوة الممسوح بزوجته لا تقرّر المهر ولا تؤثّر فيه‏.‏

قال الحطّاب‏:‏ القبلة والمباشرة والتّجرد والوطء دون الفرج لا يوجب على الزّوج الصّداق‏.‏ وقال الصّاوي في تعليقه على كلام الدّردير عن ردّ الزّوجة زوجها لعيبه‏:‏ فإن كان الزّوج ممّن لا يتصوّر وطؤه كالمجبوب والعنّين والخصيّ مقطوع الذّكر فإنّه لا مهر على الزّوج‏.‏

التّفريق بين الممسوح وزوجته

8 - اتّفق الفقهاء على ثبوت الخيار للمرأة بين التّفريق والبقاء إذا وجدت زوجها ممسوحاً لأنّ فيه نقصاً يمنع الوطء أو يضعفه‏.‏

ولتفصيل أحكام التّفريق بالعيب وشروط التّفريق به‏.‏

‏(‏ر‏:‏ جب ف / 5 - 8‏,‏ وطلاق ف / 93 وما بعدها‏)‏‏.‏

عدّة زوجة الممسوح

9 - يرى الحنفيّة أنّ الممسوح إذا كان ينزل كالصّحيح في وجوب العدّة على الزّوجة عند الفرقة‏.‏

وإذا مات الممسوح عن زوجته وهي حامل‏,‏ أو حدث الحمل بعد موته‏,‏ ففي إحدى الرّوايتين هي كزوجة الفحل في انقضاء العدّة بالوضع‏,‏ وفي الرّواية الثّانية هي كزوجة الصّبيّ‏.‏

وصرَّح المالكيّة بأنّه لا تجب العدّة على زوجة الممسوح ذكره وأنثياه‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لا تجب عدّة الطّلاق على زوجة الممسوح الّذي لم يبق له شيء أصلاً‏.‏

وأمّا إذا مات الممسوح عن حامل فتعتد زوجته بالأشهر لا بالوضع‏,‏ إذ لا يلحقه الولد على المذهب‏,‏ لأنّه لا ينزل ولم تجر العادة بأن يخلق له ولد‏.‏

وقال الإصطخريّ والقاضيان والصيدلاني الصّيمري وأبو عبيد بن حربويه يلحقه الولد‏,‏ لأنّ معدن الماء الصلب‏,‏ وهو ينفذ من ثقبة إلى الظّاهر وهما باقيان‏,‏ ويحكى ذلك قولاً للشّافعيّ قال المحلّي‏:‏ فتنقضي عدّتها بالوضع على هذا القول‏.‏

والأصل عند الحنابلة أنّه إذا طلّق الرّجل زوجته وقد خلا بها فعدّتها ثلاث حيض غير الحيضة الّتي طلّقها فيها‏,‏ وظاهر كلام الخرقيّ أنّه لا فرق بين أن يخلو بها مع المانع من الوطء أو مع عدمه‏,‏ سواء كان المانع حقيقيّاً كالجبّ والعنّة والفتق والرّتق‏,‏ أو شرعيّاً كالصّوم والإحرام والحيض والنّفاس والظّهار‏,‏ لأنّ الحكم ههنا على الخلوة الّتي هي مظنّة الإصابة دون حقيقتها‏.‏

ثمّ قالوا‏:‏ لا تنقضي عدّة الزّوجة من زوجها بوضع حمل لم يلحق الزّوج لصغره أو لكونه خصيّاً مجبوباً أو غير مجبوب‏,‏ لأنّ الحمل ليس منه يقيناً فلم تعتدّ بوضعه‏,‏ وتعتد بعده عدّة وفاة إن كانت متوفًّى عنها‏,‏ أو عدّة حياة إن كان فارقها في الحياة حيث وجبت عدّة الفراق‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ عدّة / 39‏)‏‏.‏

لحوق الولد بالممسوح

10 - اختلف الفقهاء في لحوق الولد بالممسوح‏:‏

فيرى المالكيّة والشّافعيّة على المذهب‏,‏ وهو الصّحيح عند الحنابلة أنّ الممسوح لا يلحقه الولد‏,‏ لأنّه لا ينزل ولم تجر العادة بأن يخلق له ولد‏.‏

وقد فصَّل المالكيّة فقالوا‏:‏ إنّ المجبوب ينتفي عنه الولد بغير لعان لاستحالة حملها منه حينئذٍ عادةً‏,‏ ومثله مقطوع الأنثيين أو البيضة اليسرى فقط على الصّحيح‏.‏

فإذا وجدت البيضة اليسرى وأنزل فلا بدّ من اللّعان مطلقاً ولو كان مقطوع الذّكر‏.‏

وإن فقدت البيضة اليسرى ولو قائم الذّكر فلا لعان ولو أنزل‏,‏ وينتفي الولد لغيره‏.‏

وطريقة القرافيّ أنّ المجبوب والخصيّ إن لم ينزلا فلا لعان لعدم لحوق الولد بهما‏,‏ وإن أنزلا لاعنا‏.‏

ويرى الحنفيّة وهو قول عند الشّافعيّة وظاهر كلام أحمد أنّ الولد يلحق به‏.‏

جاء في الفتاوى الهنديّة‏:‏ إذا فرّق القاضي بين المجبوب وبين امرأته بعد الخلوة‏,‏ ثمّ جاءت بولد إلى سنتين يثبت النّسب منه‏,‏ ولا يبطل تفريق القاضي‏.‏

وعند التمرتاشيّ من الحنفيّة إن علم أنّ الممسوح ينزل يثبت نسب الولد منه‏,‏ وإن علم بخلافه فلا‏.‏

وجاء في شرح المحلّيّ‏:‏ قال الإصطخريّ والقاضيان والصيدلاني والصّيمريّ وأبو عبيدة وغيرهم من فقهاء الشّافعيّة‏:‏ إنّ الممسوح يلحقه الولد لأنّ معدن الماء الصلب وهو ينفذ من ثقبةٍ إلى الظّاهر وهما باقيان‏,‏ ويحكي ذلك قولاً للشّافعيّ فتنقضي عدّتها بالوضع‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ نسب‏)‏‏.‏

قذف الممسوح بالزّنا

11 - اختلف الفقهاء في حدّ قاذف الممسوح بالزّنا‏.‏

فذهب الجمهور إلى أنّه لا يحد حدّ القذف‏,‏ وذهب الحنابلة إلى أنّه يحد‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ قذف ف / 47‏)‏‏.‏

مموّه

انظر‏:‏ آنيّة‏.‏

مميّزٌ

انظر‏:‏ تمييزٌ‏.‏

منىً

التّعريف

1 - مِنىً بالكسر والتّنوين‏:‏ بليدة على فرسخ من مكّة المكرّمة‏,‏ سمّيت بذلك لما يمنى بها من الدّماء‏,‏ أي‏:‏ يراق‏,‏ وحدها‏:‏ ما بين وادي محسّر وجمرة العقبة وهي شعب طوله نحو ميلين‏,‏ وعرضه يسير‏,‏ والجبال محيطة به‏:‏ ما أقبل منها عليه فهو من منىً‏,‏ وما أدبر منها فليس من منىً‏.‏

ويرى الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ وادي محسّر وجمرة العقبة ليسا من منىً‏,‏ وقال المالكيّة‏:‏ إنّ جمرة العقبة من منىً‏,‏ وباقي العقبة ليس منها‏,‏ وقيل‏:‏ إنّ العقبة كلّها من منىً‏.‏

الأحكام المتعلّقة بمنى

منىً من شعائر اللّه‏,‏ يؤدّي الحجّاج فيها عدداً من مناسك الحجّ‏,‏ وهي‏:‏

رمي الجمار

2 - ترمى جمرة العقبة يوم النّحر بعد دفع الحجّاج من مزدلفة إلى منىً‏,‏ ثمّ ترمى الجمار الثّلاث في أيّام التّشريق بعده‏,‏ وترمى كل جمرة بسبع حصياتٍ‏,‏ والرّمي واجب من واجبات الحجّ‏.‏

وللتّفصيل أنظر مصطلح ‏(‏حجٌّ ف / 59 - 66‏)‏‏.‏

ذبح الهدي يوم النّحر

3 - يجوز ذبح الهدي في مكّة والحرم‏,‏ لكن في منىً أفضل‏,‏ إلّا ما يذبح في فدية الأذى فيجب ذبحه في مكّة عند الجمهور‏.‏

وللتّفصيل أنظر مصطلح ‏(‏حرم ف / 26، و حجٌّ ف / 82، و هديٌ‏)‏‏.‏

الحلق والتّقصير لشعر الرّأس

4 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ الحلق أو التّقصير لشعر الرّأس واجب من واجبات الحجّ‏.‏ وذهب الشّافعيّة في الرّاجح عندهم إلى أنّه ركن من أركان الحجّ‏.‏

وأكثر ما يفعله الحجّاج في منىً‏,‏ للإسراع في التّحلل‏,‏ والسنّة عند الجمهور فعله في الحرم أيّام النّحر‏.‏

وذهب أبو حنيفة إلى أنّ الحلق أو التّقصير يختص بمنطقة الحرم وأيّام النّحر‏.‏

ر‏:‏ ‏(‏حجٌّ ف / 67 - 68‏)‏‏.‏

المبيت بمنى ليلة يوم عرفة

5 - يسن للحاجّ أن يخرج من مكّة إلى منىً يوم التّروية ‏"‏ الثّامن من ذي الحجّة ‏"‏ بعد طلوع الشّمس فيصلّي خمس صلواتٍ وهي‏:‏ الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر‏,‏ ثمّ يخرج إلى عرفة بعد طلوع الشّمس‏,‏ وكل ذلك سنّة اتّفاقاً‏.‏

ر‏:‏ ‏(‏حجٌّ ف / 97‏)‏‏.‏

المبيت بمنى ليالي أيّام التّشريق

6 - ذهب جمهور الفقهاء‏,‏ ومنهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وعروة وإبراهيم وعطاء إلى وجوب المبيت بمنى ليالي أيّام التّشريق‏.‏

ويلزم الفداء لمن تركه بغير عذر‏,‏ وهو دم لترك جلّ ليلة فأكثر عند المالكيّة‏,‏ ولتركه كلّه عند الشّافعيّة والحنابلة‏,‏ ولترك ليلة مد‏,‏ ولترك ليلتين مدّان عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّ المبيت بمنى سنّة‏,‏ وروي ذلك عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما والحسن‏.‏

وقد استدلّ الجمهور بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنّ العبّاس بن عبد المطّلب رضي الله عنه «استأذن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكّة ليالي منىً من أجل سقايته‏,‏ فأذن له» ولولا أنّه واجب لما احتاج إلى إذن‏.‏

وبحديث عائشة رضي الله عنها‏:‏ «أفاض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلّى الظهر‏,‏ ثمّ رجع إلى منىً‏,‏ فمكث بها ليالي أيّام التّشريق»‏,‏ وفعله صلى الله عليه وسلم يدل بظاهره على الوجوب هنا‏.‏

وجعل الحنفيّة هذه دلالةً على السنّيّة‏.‏

والتّفصيل في ‏(‏حجٌّ ف / 69‏,‏ 44 - 46‏,‏ 128‏)‏‏.‏

شروط المبيت بمنى

7 - للمبيت في منىً شروط هي‏:‏

أ - سبق الإحرام بالحجّ‏,‏ لأنّه أصل كلّ أعمال الحجّ‏.‏

ب - سبق الوقوف بعرفة‏,‏ لأنّ المبيت مرتّب عليه‏,‏ ولأنّه لا حجّ بلا وقوف‏.‏

ج - الزّمان‏,‏ وهو ليالي أيّام التّشريق الثّلاثة لمن تأخّر‏,‏ والأولى والثّانية لمن تعجّل فرمى الجمار الثّلاث وغادر منىً قبل غروب ثاني أيّام التّشريق‏,‏ أو قبل فجر ثالثها‏,‏ على تفصيل في ذلك‏.‏

انظر مصطلح ‏(‏رميٌ ف / 6‏)‏‏.‏

د - المكان‏:‏ وهو منىً في الحدود المقرّرة لها‏.‏

ركن المبيت بمنى

8 - ركن المبيت هو مكث أكثر اللّيل‏,‏ فإذا مكث بمنى مدّةً تزيد على نصف اللّيلة فقد أدّى واجب المبيت‏.‏

‏(‏ر‏:‏ حجٌّ ف / 128‏)‏‏.‏

الإعفاء من المبيت بمنى

9 - يسقط المبيت بمنى عن ذوي الأعذار كأهل السّقاية ورعاء الإبل والمرضى ومن في حكمهم‏.‏

على تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏حجٌّ ف / 128‏)‏‏.‏

مستحبّات المبيت بمنى

10 - يستحب للحاجّ أيّام منىً الإكثار من الذّكر والدعاء والتّكبير‏,‏ لما جاء في الحديث‏:‏

«أيّام التّشريق أيّام أكل وشرب وذكر اللّه»‏.‏

أي هي أيّام إفطار لا يجوز الصّيام فيها‏,‏ وأيّام إكثار من ذكر اللّه تعالى بأنواع الذّكر‏.‏

مُنَابَذة

انظر‏:‏ بيع المنابذة‏.‏